مع متابعتي الألعاب الأولمبية بباريس، وتحطيم الأرقام القياسية بها، لاحظت كم كان مستوى التحكيم عاليا، ولم يشتك منه أحد لنزاهته وحيادته. ومع هذا الزخم الرياضي الكبير تذكرت رياضتنا في الزمن الجميل، والرواد الأوائل الذين أعطوا للرياضة الكثير حبا لها وللوطن، وكانوا الأساس في دعمها واستمراريتها على حساب وقتهم وجهدهم وأسرهم، ومن ضمن هؤلاء حكم كرة القدم المعروف المرحوم محمد السنوسي البيجو، الذي كان من أوائل حكام كرة القدم الذين عرفتهم الملاعب الليبية، حيث بدأ موسم 1937-1938 حكما متدرجا، ثم في العام 1940 تحصل على شهادة حكم من الاتحاد الإيطالي لكرة القدم، وأدار مباراة منتخب بنغازي مع فريق الترسانة في القاهرة العام 1945.

وكان مراقب خط في الدورة العربية الأولى العام 1953 في مباراة مصر وسوريا بالإسكندرية، وكان من أشهر حكام الكرة في المنطقة الشرقية، وغالبا ما كانت تسند إليه مباريات الفرق الخارجية الزائرة مع منتخب بنغازي، وكانت صافرته مميزة، حيث يدخل إلى الملعب، وعندما يصل إلى دائرة نصف الملعب يطلق صافرة طويلة تصفق لها جماهير الملعب. ونظرا إلى إجادته اللغة الإيطالية، كان دائم التواصل مع الجديد في الكرة والتحكيم الإيطالي والدولي، ومتابعا للدوري الإيطالي.

- خليفة بن صريتي يكتب لـ«بوابة الوسط»: فرحة فضية السلة ولكن!
- خليفة بن صريتي يكتب لـ«بوابة الوسط»: متى تحدث هزة جدية لإنقاذ الرياضة الليبية؟

كما عمل في المجال الإداري، حيث كان مؤسس فريق البريق (السطوع) في أيام العهد الإيطالي، وأحد المشرفين على دوري الفرق الليبية الأربعة التي توحدت فيما بعد تحت اسم «فريق ليبيا»، وأحد المساهمين في أنشطة القسم الرياضي بجمعية عمر المختار، ومن الأسماء الخمسة الذين تحصلوا على الترخيص الرسمي للنادي الأهلي العام 1950 من السلطات المحلية. كما عمل في اتحادات الهيئة الرياضية العليا، وكان عضو الوفد الليبي في الدورة العربية الثانية ببيروت العام 1957، وكذلك في الدورة العربية الثالثة بالمغرب العام 1961.

وله الفضل في تقديم العديد من حكام الكرة في هذا المجال، ويعتبر أحد الرواد الذين تبنوا الرياضة في بلادنا عقب الحرب العالمية الثانية، وأسهموا في مسيرتها، وعمل عضو مجلس إدارة باللجنة الأولمبية الموقتة العام 1962 مع السادة: سالم شرميط، محمد سيالة، مسعود الزنتوتي، علي المنصوري، محمد البيجو، عقيلة بالعون، وامحمد الفيتوري. وفي مسيرته الرياضية تعامل بكل شرف ونزاهة وأمانة، ولهذا احترمه وأحبه الكثيرون، وهو أحد أبناء الأسر البنغازية العريقة، ويعتبر السجل التاريخي الرياضي لمدينة بنغازي. كم أتمنى أن يقتدي بسيرته حكام الكرة الشباب، وأن يتقوا الله في صافراتهم، ويعطوا لكل ذي حق حقه، وأن يكونوا خير خلف لخير سلف للمرحوم، رحمة الله عليه.