عندما يعتلي المربع ويدق ناقوس البداية وتبدأ الجولات، ترى متعة الفن النبيل، حيث سرعة اللكمات والمراوغة منها، والتحرك السريع بالقدمين، إنها الموهبة والاستعداد البدني الذي تجسد في الملاكم البطل عبدالرحيم مرسال الوداوي، وهو من مواليد مدينة الكفرة العام 1946 موظف سابق بوزارة الزراعة بنغازي، وهو والد لاعب «الأهلي» المعروف مرسال الوداوي (زمرينا) الذي انضم لفريق «الاتحاد المصراتي» هذا الموسم.

للاطلاع على العدد الجديد من جريدة «الوسط» رقم 357.. اضغط هنا

بدايته كانت مع لعبة الملاكمة التي اختارها دون غيرها من الألعاب الرياضية لحبه الشديد لها ومتابعته لأبطالها، وأولى خطواته في عالم الملاكمة كانت مع المدرب عبدالسلام أرحومه مدرب «الأهلي» وبعدها مع عبدالله عثمان ومحمد البرناوي (جقرم) ومحمد الشاعري وعبدالسميع مخلوف وسليمان ميلود ومحمد العابدية وجاب الله السراوي وعبدالحميد المصري، ولعب أولى مبارياته المحلية أمام ملاكم «الهلال» ناصر بن زبلح العام 1960 وأول مباراة دولية له كانت مع الملاكم ميخائيل بطل اليونان الذي تعادل معه عند زيارة الفريق اليوناني للملاكمة «الأهلي» في العام 1961.

ومن خلال رحلته مع الملاكمة لعب نحو 80 مباراة محلية حقق الفوز في أغلبها، وكانت أصعب مبارياته مع مصطفى المسلاتي ورافع الأثرم وعلي المحجوب ومصطفى الحرك ونشنوش وأحمد أبوزيد وغيرهم، وأيضاً لعب نحو 50 مباراة دولية داخل وخارج ليبيا، وشارك في دورات معرض طرابلس الرياضية في 3 دورات تحصل فيها على 3 ميداليات ذهبية في الوزن المتوسط، ولعب في دورة ألعاب البحر المتوسط في تونس العام 1967 ونال الميدالية البرونزية، وكذلك في بطولة المغرب العربي بتونس، وتحصل على الميدالية الفضية، وفي الدورة العربية الرابعة في القاهرة تحصل على الميدالية البرونزية، كما تحصل على الذهبية في بطولة المغرب العربي بالمغرب، بعدها انتقل للعب مع الاتحاد العسكري بعد العروض التي قدمت له وهي التفرغ الكامل للملاكمة ومنحه رتبة عسكرية مع حوافز مادية أخرى لكن بعد انضمامه للقوات المسلحة تبخرت كل تلك الوعود وأصبح مجرد جندي عادي، مما سبب له الإحباط وخيبة الأمل، وقرر ترك اللعبة وتوقف عن التدريبات، لكن أصدقاءه نصحوه بعدم التوقف عن اللعب، ومع الاتصالات والوعود الجديدة عاد للتدريب واللعب وشارك في بطولة العالم العسكرية في نيجيريا، وتحصل فيها على الميدالية البرونزية، وفي دولة الباكستان تحصل على الميدالية الذهبية بعد فوزه بالضربة القاضية على الملاكم الأميركي تايلور.

كما فاز في يوغوسلافيا وإيطاليا والجزائر، وتحصل على ذهبية البطولة الأفريقية، وبعد كل الإنجازات الرياضية منح ترقية استثنائية مرة واحدة من «جندي أول» إلى «نائب عريف»، مما جعله يترك اللعبة ويهرب من الجيش ويصر على الاستقالة حتى قبلت بعدها فوجد نفسه في الشارع دون عمل، ورغم شهرته لم يخجل من العمل الشريف، حيث عمل في مراكب صيد السمك وأفران الخبز، وبعد إعداد صالة للملاكمة داخل النادي «الأهلي» عاد مع الرياضيين القدامى وبدأت الوجوه الجديدة تنضم إليهم وتمت استضافة فريق «أهلي طرابلس» للملاكمة الذي يدربه البدري مفتاح وكذلك استضافة الفريق المصري للملاكمة، وأثناء الاستعداد لرد الزيارات صدر الكتاب الأخضر الذي حرم الملاكمة والمصارعة وقتل اللعبة ونجومها وجماهيرها، وهكذا انتهت الملاكمة بجرة قلم بعد تاريخها الحافل بالأمجاد.

وبعد ثورة 17 فبراير، فرح بعودة الملاكمة وتعاون مع الآخرين في إحيائها وإقامة المقابلات لها وظل معهم حتى فاجأه المرض ولم يعد قادراً على المشي، وظل هذا البطل حبيس جدران غرفته يعاني آلام المرض دون أن يجد من يقف معه ويقدر تضحياته وما قدمه للرياضة والوطن، وحالياً يعاني الزهايمر وعدة جلطات، وليس لنا إلا الدعاء له بالشفاء وأن يخفف الله آلامه، أما المسؤولون عن الرياضة في المناصب العليا فلا أعتقد أنهم يهتمون بمثل هؤلاء الأبطال علماً بأنهم وصلوا لمناصبهم بفضل تاريخه مع غيره من الرياضيين القدامى في مختلف الألعاب والمدن.

مقال خليفة بن صريتي في العدد الجديد من جريدة «الوسط» رقم 357