Atwasat
BBC

اقتحام الكونغرس في البرازيل: "كيف اعتنق أبي أفكارا راديكالية وشارك في أعمال الشغب"

بي بي سي الأربعاء 08 فبراير 2023, 07:06 صباحا
People dressed in green and yellow, Brazil's national colours, invade the country's Congress
Reuters
اقتحم آلاف الأشخاص مباني حكومية في برازيليا قبل شهر

كان غابريل يجلس على الشاطئ مع زوجته عندما سمع الأخبار.

"إنهم يحطمون كل شيء في برازيليا"، هكذا أخبرته بعدما نظرت إلى الأخبار العاجلة على هاتفها.

آلاف المتظاهرين كانوا يقتحمون الكونغرس والمحكمة العليا والقصر الرئاسي في البرازيل، حيث قاموا بتمزيق الوثائق وتخريب الأعمال الفنية وتحطيم النوافذ وقطع الأثاث.

أمسك غابريل بهاتفه وأخذ يتصفح رسائله. ما رآه آنذاك أثار رعبه: والده الذي يقيم على بعد مئات الكيلومترات من العاصمة برازيليا كان هناك، وأخذ يرسل له مقاطع فيديو وصورا من قلب أعمال الشغب. "ماذا، أنت هناك؟ يجب أن تغادر!".

لكن والده لم يفعل، وانتهى به الحال إلى أن دخل السجن في ذاك اليوم، الموافق الثامن من يناير /كانون الثاني.

يقول غابريل: "أشعر بيأس تام، وأشعر بالحرج له. لقد توجه من بلدته على متن حافلة إلى برازيليا، التي تبعد مسافة 900 كيلومتر، ليفعل ماذا؟"

الشابة لورا من سكان منطقة الأمازون تحاول هي الأخرى أن تفهم ما الذي دفع عمها، وهو مزارع في الخمسينيات من العمر، إلى قضاء أكثر من يوم في السفر على متن حافلة للمشاركة في أعمال الشغب. لقد قطع مسافة 2000 كيلومتر تقريبا.

تقول لورا: "لم يحصل على قسط كبير من التعليم. وقد أصبح مدمنا على [تطبيق التواصل الاجتماعي] تلغرام، وبدا وكأنه لم يعد يفرق بين ما هو حقيقي وما هو غير ذلك".

جواو كذلك أصيب بالفزع عندما أدرك أن عمه وزوجة عمه كانا جزءا من مشاهد العنف التي تابعها على شاشات التلفاز. الاثنان وضعا في الحجز مثل والد غابريل.

يقول جواو: "لقد كنت مقربا من عمي، لكن أضحت بيننا هوة بسبب نظريات المؤامرة. كنت أظن أنه ربما سيفعل شيئا، لكن ليس بهذا التطرف. أشعر بغضب وحزن".

نستخدم في هذا المقال أسماء مستعارة للأقارب لحماية هوية أفراد أسرهم الذين لا يزال بعضهم في الحجز.

Bus with Bolsonaro supporters and Brazil's flags
Reuters
استقل أنصار بولسنارو حافلات من مختلف أنحاء البرازيل للذهاب إلى العاصمة في الثامن من يناير/كانون الثاني الماضي

"وطنيون"

مثلهم مثل غالبية من شاركوا في أعمال الشغب، كان أقارب غابريل ولورا وجواو يرتدون اللونين الأخضر والأصفر، وهما لونا علم البرازيل. كانوا يطلقون على أنفسهم لقب "وطنيين"، ويطالبون بتدخل الجيش للإطاحة بحكومة الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الذي تولى مقاليد الحكم قبل ذلك بأسابيع قليلة. كانوا يصدقون المزاعم الكاذبة التي نشرها الرئيس السابق جايير بولسنارو بأنه لو خسر في الانتخابات، فإن ذلك سيكون بسبب تزوير الأصوات.

كانت أعمال الشغب هي ذروة أشهر من الاحتجاجات على الأرض وعلى شبكة الإنترنت. في أعقاب هزيمة بولسنارو، نظم أنصاره مسيرات أدت إلى إغلاق الطرق الرئيسية، كما أنشأوا مخيمات أمام أكثر من مئة ثكنة عسكرية.

في تلك المخيمات، كان هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم اسم "الوطنيين" يرددون النشيد الوطني للبلاد، ويلقون خطبا تؤكد معتقداتهم الخاطئة، ويجمعون التبرعات لشراء الطعام. بل إن بعض المخيمات أنشأت كنائس صغيرة. وفي برازيليا، كانت هناك منطقة مخصصة لصناع المحتوى على يوتيوب لتسجيل فيديوهاتهم وتقديم بث حي لنشر رسالة المقاومة.

وعلى شبكة الإنترنت، دعا أشخاص إلى احتلال المباني الحكومية.

المقاطع المصورة التي سُجلت قبل أعمال الشغب بأيام من قبل بعض المشاركين في تلك الأعمال والتي دعوا فيها إلى "الحرب" تظهر أن تلك الأعمال كانت مدبرة عن عمد. بعض الأشخاص حملوا معهم آلات حادة، ومقاليع وكرات زجاجية صغيرة وأقنعة وقفازات.

احتجزت قوات الأمن أكثر من 2000 شخص لمشاركتهم في أعمال شغب يناير/كانون الثاني، أو بسبب إقامتهم في المخيمات. ويبحث المحققون حاليا عن الأشخاص الذين استأجروا حافلات لنقل الناس من بلداتهم إلى برازيليا ويعتقلونهم.

على الرغم من أن الكثير من المشاركين في أعمال الشغب كانوا ينوون بوضوح اللجوء إلى العنف، إلا أن بعضا من الذين ذهبوا كانوا يظنون أنهم فقط سيتظاهرون احتجاجا على ما يعتبرونه ظلما بينا.

إضفاء الشرعية على نظريات المؤامرة

بعد هزيمته في الانتخابات العام الماضي، التزم بولسنارو الصمت لمدة يومين. وانتشرت عدة رسائل على تطبيق تلغرام بشكل كبير تفسر صمته على أنه بمثابة إصدار أمر لأنصاره بالذهاب إلى الثكنات العسكرية للضغط على الجيش لكي يتدخل.

كان عم جواو وزوجته، وكلاهما في العقد الخامس من العمر، قد مكثا لبضعة أيام في واحد من المخيمات. وكانت زوجة عمه تتطوع بالطهي.

يقول البروفيسور أوديلون كالديرا نيتو أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة جويز دي فورا الفدرالية، وهو أيضا أحد المنسقين بمرصد اليمين المتطرف في البرازيل: "تعايش أنصار بولسنارو مع بعضهم بعضا على مدى شهور في المخيمات، وهو ما ساعد في شرعنة وتعزيز إيمان كل منهم بنظريات المؤامرة. كانوا يشعرون بالتضامن والتآخي. رؤيتهم المشتركة للعالم كرست الواقع الموازي الذي يعيشون فيه".

Person who invaded government building covers their face from teargas
Reuters
احتجز أكثر من 2000 شخص في البرازيل لمشاركتهم في أعمال الشغب أو انضمامهم إلى مخيمات مناهضة للديمقراطية أمام ثكنات الجيش

الطريق إلى الراديكالية

يعتقد جواو أن عمه وزوجة عمه بدآ في التحول صوب اعتناق الأفكار الراديكالية المتطرفة منذ تفشي وباء كوفيد. يقول إنه على الرغم من كون عائلته محافظة جدا، فإنها كانت معتادة على قراءة ومشاهدة وسائل الإعلام الرئيسية. "ثم تحول مصدر الأنباء لأقاربي خلال الوباء من القنوات التلفزيونية إلى مجموعات واتسآب وتلغرام".

وتحول المحتوى الذي كان ينشر على مجموعة العائلة على واتسآب من صور عائلية إلى مزاعم رافضة للقاحات. يقول جواو: "حتى والدتي، وهي ممرضة متقاعدة، انقلبت على اللقاحات".

"كما كانوا أيضا يعارضون ارتداء الكمامات. بعضهم نشر رسائل تدعو إلى اقتحام المستشفيات للتأكد مما إذا كانت الأَسَرّة بالفعل يشغلها مرضى فيروس كورونا".

حينها قرر ترك مجموعة الأسرة على واتسآب.

انتخابات عام 2022 جعلت مناقشة السياسة في الاجتماعات الأسرية أمرا حتميا. كان جواو يسمع بعض أقاربه يرددون مزاعم بولسنارو الزائفة بأن نظام التصويت في البرازيل عرضة للغش والتلاعب.

كما كان والد غابريل يردد نفس المزاعم الخاطئة. ولكن في هذه الحالة، يرى غابريل أن اعتناق والده للأفكار المتطرفة يتعلق بشكل أكبر بالدين. فوالده، الذي هو الآن في الخمسينيات من العمر، يذهب إلى الكنيسة منذ أن كان مراهقا.

يضيف غابريل: "ثم أصبحت الكنيسة الإنجيلية التي يذهب إليها تؤيد بولسنارو، وتعمد باستمرار إلى دعمه خلال القداديس التي كانت تقيمها"، في إشارة إلى ولاء والده الراسخ لمزاعم الرئيس السابق.

Bolsonaro supporters break glass of the Supreme Court
Getty Images
كانت المحكمة العليا من المباني التي اقتحمها من يلقبون أنفسهم بـ"الوطنيين"

تقول لورا إن عمها يعيش في منطقة يفكر فيها الناس بنفس الطريقة، وهو ما جعله يصدق ما يقرأه على مواقع التواصل الاجتماعي. يعيش العم على الأطراف الجنوبية-الشرقية لمنطقة الأمازون، التي تضم مزيجا من الغابات المتفرقة والمناطق التي أزيلت أشجارها، وهي منطقة يؤيد غالبية مزارعيها الرئيس السابق بولسنارو.

تضيف: "إنهم يغذون أنفسهم بالأخبار الزائفة ويؤكدون صحة معتقدات بعضهم بعضا".

قد تتم محاكمة الأشخاص الذين احتجزوا بسبب دورهم في أعمال الشغب وقد يحكم عليهم بالسجن بتهمة ارتكاب جرائم ضد المؤسسات الديمقراطية والاشتراك في جماعات إجرامية وإتلاف الممتلكات العامة.

جواو لا يحدوه أي أمل بشأن وضع عمه وزوجته عمه، إذ يقول: "رغم حبي الشديد لهما، أرى أنهما إذا كانا قد ارتكبا جريمة، فينبغي أن يحاكما ويعاقبا بموجب القانون. وفي الوقت الحالي، أفضل أن أنأى بنفسي عن ذلك الأمر".

BBC