Atwasat
BBC

جدل في مصر حول إزالة مقابر تاريخية والسلطات تنفي

بي بي سي الجمعة 26 مايو 2023, 07:37 صباحا
مقبرة القاهرة
Getty Images
مقبرة القاهرة أقدم تاريخيا من مدينة القاهرة نفسها

اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر إثر تدوُل روّادها نبأ عن إزالة قبر الإمام وَرش، صاحب رواية ورش عن نافع لقراءة القرآن، بين عدد من المقابر في منطقة القاهرة التاريخية، وذلك لتنفيذ مشاريع تستهدف تطوير تلك المنطقة، بحسب السلطات المصرية.

وأعلنت الكاتبة نهى حقي، ابنة الأديب المصري يحيى حقي، أن رفات والدها نُقل من مدفنه بجوار السيدة نفيسة إلى مقبرة في منطقة العاشر من رمضان على مسافة نحو 55 كيلومترا من العاصمة القاهرة، بخلاف ما أوصى صاحب رائعة قنديل أم هاشم.

وفي الآونة الأخيرة، أزالت السلطات المصرية عددا كبيرا من المقابر التاريخية، التي يتجاوز عمر بعضها أكثر من ألف عام. وقال مصدر مطّلع لصحيفة المصري اليوم إنه سيجري إزالة نحو 2700 مقبرة ونقلها لأماكن جديدة في مدينة 15 مايو (على مسافة 35 كيلو مترا من القاهرة) وفي مدينة العاشر من رمضان.

"ليس الاعتداء على المقابر أمراً جديدا في مصر، لكن الوضع الحالي أصعب من ذي قبل، خصوصا وأنه غير معروف الأبعاد؛ في ظل عدم إفصاح الدولة عن مخططاتها وعدم استعدادها لإدارة حوار مجتمعي تحت وطأة استعجالها في إنجاز مشروعات"، بحسب الباحث في الآثار المصرية محمود مرزوق.

وفي حديث لبي بي سي، أشار مرزوق إلى أن مقبرة القاهرة "أقدم تاريخيا" من مدينة القاهرة نفسها؛ ذلك أن المقبرة بدأت مع دفن أول مسلم في مصر وكان ذلك تحت سفح المقطم في صدر الإسلام أي قبل بناء مدينة القاهرة بزمن طويل.

ونوّه الباحث إلى أنه على مدى مئات السنين، اتسع نطاق مقبرة القاهرة التي تتصل جغرافيا رغم تقسيمها إلى مجموعات كلّ منها ترتبط باسم عَلم من الأعلام، ومن ذلك مثلا مقبرة الإمام الشافعي، ومقبرة الليث نسبة إلى الإمام الليث بن سعد، ومقبرة سيدي جلال نسبة إلى جلال الدين السيوطي وهكذا.

ورأى مرزوق أنه "من أوجُه تفرُّد مدينة القاهرة أن كل حجر فيها يكتب سطرا من تاريخ مدينة عريقة عمرها فاق الألف عام ومن تاريخ مصر بشكل عام".

ومن جهتها، تنفي السلطات المصرية إزالة أي مبنى أثري، مؤكدة أن العمل يجري ضمن مشروع القاهرة التاريخية والحفاظ على تراثها.

طه حسين أم محور ياسر رزق: لماذا يخشى أثريون احتمال هدم مقبرة عميد الأدب العربي؟بعد "قرافة المماليك"، مخاوف من هدم مقابر في "مدينة الموتى" بالقاهرة التاريخية لإنشاء طريق جديد

مفهوم القيمة

وهنا يرى الباحث أن "ثمة حاجة إلى إعادة النقاش حول فكرة القيمة التراثية"، متسائلا: "هل الشيء القيّم هو ذلك المسجَّل على أنه أثر فقط؟ أم أن مفهوم القيمة مختلف؟"

ويقول مرزوق إن "مفهوم القيمة متسع جدا ومتنوع؛ فهناك قيمة اقتصادية وقيمة تراثية وقيمة تاريخية وقيمة فنية، وهكذا فالقيَم نفسها متعددة".

وعليه، بحسب مرزوق، فمن التسطيح تقييم المبنى عبر البحث عما إذا كان مسجلاً في عِداد الآثار أم لا، فإذا لم يكن مسجلا فلا مانع من إزالته!!

وأكد الباحث أن قِدم وجود المقبرة في حدّ ذاته يضفي عليها قيمة توجب الحفاظ عليها، فضلا عن كونها جزءا من ذاكرة مدينة القاهرة ومن تاريخ المصريين.

ويتفق النائب البرلماني ضياء داوود مع جوهرية القيمة في هذا الصدد، قائلا إنه "عندما تصطدم مشروعات التطوير بمنشآت ذات طابع تراثي، فإن تقدير الدول لتراثها يدفع مهندسيها إلى البحث عن حلول إبداعية لتفادي الإضرار بكلّ ما له قيمة".

ويؤكد داوود لبي بي سي، على أهمية "فقه الأولويات في بلد عريق مثل مصر عندما تتعارض مشروعات بناء طرق أو جسور أو مدّ خطوط قطارات أو أيّاً ما كان مع منشآت ذات طابع تراثي، فليس من السهل علينا أن نتقبّل فكرة الإزالة والتشوية مقابل المرور".

ويشدد داوود على أنه مع "كل تطوير يصطدم بالحضارة علينا أن نطوّع التطوير دون المساس بالحضارة".

وسجّلت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) منطقة القاهرة التاريخية في عام 1979 كموقع تراثٍ عالميّ. ولكن في السنوات الأخيرة، كررّت اليونسكو شكواها من "الإهمال الذي تتعرض له المنطقة، مهددة بشطبها من قائمة التراث العالمي، وبنقلها لقائمة التراث المعرّض للخطر".

وتضمّ منطقة القاهرة التاريخية مدافن العديد من الشخصيات البارزة، سواء في التاريخ المصري أو الإسلامي. ويعدّ ضريح الإمام الشافعي أحد أشهر الأضرحة بتلك المنطقة.

وفي مقطع فيديو متداوَل عبر فيسبوك، أكد ورثة شاعر النيل حافظ إبراهيم أنه لم يتم إخطارهم بشكل رسمي بإزالة مقبرته، قائلين إن حارس الجبّانة هو مَن أخبرهم. كما ينفي الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، المعني بالحفاظ على المباني التراثية، إخطاره بأي مخططات بخصوص عمليات هدم تلك المقابر.

وفي ذلك يقول النائب ضياء داوود، إن "ثمة عشوائية في اتخاذ القرار، وعدم تنسيق بين أجهزة الدولة، وعدم احترام خصوصية الأفراد حتى في إخطارهم أو السماح لهم بالاطلاع على الأسباب الفنية أو القانونية لاتخاذ أي قرار".

مقبرة القاهرة
Getty Images
مقبرة القاهرة

"جزء من ذاكرة الأمة"

يرى النائب داوود أن كل "قيمة حضارية هي مرتبطة بجزء من تاريخ مصر، وعليه، فإن الاعتداء على هذه القيمة هو اعتداء على جزء غالي من تاريخ هذا البلد".

يقول الباحث محمود مرزوق إن "المقبرة جزء من ذاكرة الأمة، وإنّ هدمها يعتبر بمثابة قَطع صفحة مهمة من تاريخ تلك الأمة".

ويختتم مرزوق بالقول إن "المقبرة بالأساس هي امتداد لثقافة مصرية قديمة تتعلق بالحياة الأخرى أو الأبدية ... إنها إذن ثقافة مصرية قديمة".

BBC