تهتم بعض الأنظمة الرأسمالية بصناعة الجوائز والترويج لها كتقليد شبه أرستقراطي في مجتمع يتأثر بحياة النُّخبة. غير أن الجوائز الأدبية والعلمية ظلّت على تقاليدها الرصينة ووجاهتها في العديد من الدول والمجتمعات، بعكس جوائز نجوم السينما والتلفزيون التي تُمنح في المهرجانات العالمية كـ«فينيسيا» و«كان» و«برلين» و«تورونتو» ببريقها اللافت الذي يراهن عليه صُنّاع السينما والإعلان في العالم.
في تحقيقها الثقافي عن الجوائز العربية، تقول الصحفية الجزائرية «فاطمة حوحو»: «كثُرت الجوائز الأدبية في عالمنا على الرغم من استمرار اضطهاد الكُتّاب، لأفكارهم الجريئة وغير الملائمة للمجتمعات القائمة على توزانات معيّنة لا تسمح بالتعبير الحُر، ونشر ما لا تسمح به السلطة السياسية أو الدينية أو الاقتصادية. وعلى الرغم من تراجع سوق الكُتب في عالم يلهث خلف الإنترنت، فإن تكريم الأدباء يجد له أبواباً مختلفة، إما عن طريق مؤسسات خاصة أو مؤسسات الدولة».
انتشار الجوائز الأدبية في العالم العربي، لدعم ساحة الإبداع والاحتفاء بالمبدعين ونشر أعمالهم، لا يجد دوما الصدى الجيِّد، نظراً إلى الشكوك التي تحيط بمانح الجائزة حيناً والفائز حيناً آخر، ودائماً الشك في أعضاء لجان التحكيم الذين يميل عدد كبير من الكُتّاب إلى عدم الاعتراف بقدراتهم على تقييم الأعمال المُرشّحة للفوز. ويلفت العديد من الكُتّاب العرب إلى ظاهرة الارتزاق من وراء الجوائز الأدبية من قِبل كُتّاب يتسكّعون على أبواب المانحين، وكل من له صلة بمطبخ هذه الجوائز!
والجوائز الأدبية ليست بجديدة عند العرب، فمعظم شعراء العربية منذ العصر الجاهلي كانوا يتلقّون جوائز وأعطيات على أشعارهم، حيث ذُكر أن «الأعشى بن قيس» كان ينتجع الملوك بشعره ويحصل على هباتهم، وكذلك كان يفعل «النابغة الذبياني» و«حسّان بن ثابت» في شعره الجاهلي.
وفي العالم اليوم، تُمنح الجوائز هباءً في ساعة، ففي فرنسا مثلاً يزيد عدد الجوائز على الـ1500 جائزة سنوياً، وفي إيطاليا يظهر سنوياً ما لا يقل عن خمسمائة أديب جديد، وأغلبهم يختفي في السنة نفسها، بينما يستفيد من إعلان الجوائز الناشر والمؤلف والقارئ، لهذا تتسابق دور النشر من أجل أن يحصل أحد كتبها على جائزة أدبية مرموقة!
- سالم الهنداوي يكتب...أدب الجوائز...(1)
- سالم الهنداوي يكتب..أدب الجوائز (2)
وعن انتشارها اللافت بمناسبة وبلا مناسبة، وفقدانها لقيمة حضورها المجتمعي، يقول الكاتب والمفكر الأميركي «غور فيدال»: «هناك جوائز في الولايات المتّحدة يفوق عددها عدد الكُتّاب الأميركيين». ويقول الشاعر الأسترالي «بيتر بورتر»: «هناك عدد كبير من الجوائز في أستراليا بحيث إنه لا يوجد كاتب في سيدني لم يحصل على واحدة». ويتندر روائي بريطاني على حادثة دالة، حيث حضر هذا الكاتب مؤتمرا أدبيا في بريطانيا، فاكتشف أنه الوحيد الذي لم يحصل على جائزة أدبية من بين الكُتّاب الحاضرين. ويسخر الفنان «وودي آلن» بقوله: «لقد أصبحت الجوائز تُمنح لإنجازات إبداعية مشكوك فيها، بحيث يمكن لهتلر مثلاً أن يحصل على جائزة أفضل ديكتاتور فاشٍ»!
جائزة نوبل
ومن أشهر الجوائز العالمية الأدبية كانت جائزة نوبل التي أُعلن عنها في «استوكهولم» عام 1901 على يد «ألفرد نوبل»، العالم السويدي الشهير الذي جمع ثروة ضخمة من بيع اختراع «الديناميت». وقد نصّ نوبل في وصيته على ضرورة منح إحدى الجوائز سنوياً لكاتبٍ أو أديبٍ أنتج عملاً بارعاً يُعتبر نموذجاً للأدب المثالي، وكان أول فائز بجائزة نوبل هو الشاعر الفرنسي «سولي برود اوم» الذي تم تفضيله على الروائي الروسي «ليو تولستوي».
وتختار الأكاديمية السويدية الفائز من قائمة تضمُّ أسماء خمسة أدباء يرشحهم أساتذة الأدب، والفائزون بجائزة نوبل السابقون. وعلى الرغم من ضخامة المبلغ المالي المُقدَّم ضمن الجائزة، وهو مليون دولار، فقد رفضها الفرنسي «جان بول سارتر» بدعوى أنه كان دائماً يرفض التقدير القادم من جهات رسمية.
كما أن الجائزة ظلّت مقصورة على الأدباء والكُتّاب الغربيين خلال النصف الأول من القرن العشرين، وكان الروائي النيجيري «وول سوينكا» أول أديب إفريقي فاز بجائزة نوبل، وظلت جائزة نوبل للأدب مطمح غالبية أدباء العالم حتى اليوم، ومن بينهم الشاعر «أدونيس»، وفاز بها الكثيرون من الأدباء المرموقين مثل الكولومبي «غابرييل غارسيا ماركيز»، والأميركي «إرنست هيمنغواي»، والروسي «ألكسندر سولجنيتسن»، والأيرلندي «صامويل بيكيت»، والمصري «نجيب محفوظ».
إسهامات كبرى في عالم الثقافة والإبداع
أغلب تلك الجوائز الأدبية العالمية كانت تحمل أسماء أشخاص قدّموا إسهامات كبرى في عالم الثقافة والإبداع، خاصة الأدباء، لكن الغريب أن أشهر الجوائز تحمل أسماء أشخاص عملوا بالصحافة، مثل «غونكور» و«بوليتزر» و«انتراليه». لكن الكثير من هذه الجوائز تم تخصيصها لتخليد أسماء أدباء مثل «شاتوبريان» و«أبولينير» و«توماس مات» و«جورج بوخز» و«سرفانتس»، وبعض الجوائز، خاصة في ألمانيا، تحمل اسم المنطقة الجغرافية التي تُمنح فيها، مثل جائزة «شيلر» لمقاطعة «شتوتغارت»، وجائزة «وستفالي».
ومن أشهر الجوائز الفرنسية كانت جائزة «غونكور»، التي أنشئت بوصية من «آدمون غونكور» المتوفى عام 1896 تخليداً لذكرى شقيقه «جول غونكور»، المتوفى في العام 1870، وتمنحها سنوياً أكاديمية «غونكور». وقد مُنحت في العام 1984 لـ«مارغريت دوراس». كما حصل عليها «لوسيان بودار» عام 1982. ومن أشهر الأدباء الذين حصلوا عليها «هنري ترويا» و«أندريه مالرو» و«باتريك شاموزو». كما حصل عليها اثنان فقط من الأدباء العرب الذين يكتبون بالفرنسية، وهما الجزائري «الطاهر بن جلون» عام 1987، واللبناني «أمين معلوف» عام 1993.
ومن أشهر الجوائز في الولايات المتحدة جائزة «بوليتزر»، وهو اسم صحفي مجري ولد عام 1847، وهاجر إلى الولايات المتحدة عام 1865، وهناك استطاع أن يشتري صحيفتين، وتبرّع بمبلغ كبير قبل وفاته في عام 1911 لإنشاء جائزة سنوية للصحافة والآداب والموسيقى. ويحصل على هذه الجائزة من قدّم خدمات تحقق الصالح العام، وتُمنح للريبورتاج الصحفي، ومراسلي الأنباء، والمقالات الافتتاحية، والرسم الكاريكاتيري، والتصوير الفوتوغرافي الصحفي، وأيضاً للمسرح والتاريخ.
وفي مجال الابداع تُمنح لكُلٍ من: الرواية، والسيرة، والشعر، والموسيقى. وقد أنشئت هذه الجائزة عام 1918 بهدف تشجيع المبدعين الأميركيين، وكان يُفضّل أن تكون الرواية الفائزة بها حول الحياة الأميركية، والغريب أن الكثيرين قد اعتبروا حصولهم عليها فاتحة كبيرة للفوز بجائزة «نوبل»، حيث حصل عليها «سنكلير لويس» و«بيرل بك» و«جون شتاينبك» و«إرنست هيمنغواي» و«توني موريسون»، وجميعهم حصلوا بعد سنوات قليلة على جائزة «نوبل» في الأدب. كما حصل عليها «وليم فوكنر» بعد حصوله على «نوبل» بخمسة أعوام.
ومن الروايات الشهيرة التي نالت هذا التقدير رواية «الأرنب» لـ«جون إيريك»، و«ذهب مع الريح» لـ«مارغريت ميتشل». وقد حصل بعض الأدباء المشاهير على الجائزة أكثر من مرة. أما في مجال الإبداع المسرحي، فقد حصل عليها «يوجين أونيل» ثلاث مرات، و«ثورنتون وايلدر» و«تينسي ويليامز». كما فاز بها «أرثر ميلر» عن مسرحية «أبنائي جميعاً»، و«إدوارد آلبي» عن مسرحية «من يخاف فرجينيا وولف». كما حصل عليها أيضاً الكاتب الشهير «نيل سايمون».
كذلك في ألمانيا مجموعة كبيرة من الجوائز، لعل أكبرها من ناحية الشهرة التي تحمل اسم الأديب والمسرحي «جورج بوغنر». أما أعلى الجوائز قيمة أدبية فهي جائزة الروائي «هاينريش هايتي». وتتباين الجوائز الأدبية من الناحية الجغرافية، فهناك جوائز تُمنح في المقاطعات، وأخرى لتشجيع الأدباء الشبّان، وهناك جائزة تحمل اسم الشاعر «راينر ماريا ريلكه»، وتُمنح في مدينة فرانكفورت لشاعر متميِّز عن ديوان جديد تمّ نشره في السنة نفسها.
وتولي هذه الدول اهتماما خاصا بالجوائز، وتعتبرها تقليداً يعزِّز من وجود مجتمع النُّخبة، كما «النبلاء» في المجتمعات الأرستقراطية. غير أنّ وظيفة الأدب لم تكن بأي حال رهينة سُلطة سياسية أو دينية أو اقتصادية، وإن بدت في ظاهرها الإعلامي عاملاً مهمّاً في صناعة النُّخبة، للتأثير بها في عالم السياسة والاقتصاد والمال.
سالم الهنداوي
تعليقات