Atwasat

الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين: من لم يعرف وجع الإنسان وغربته في الأرض لن يعرف ربه

القاهرة - بوابة الوسط الأحد 04 أغسطس 2024, 02:13 مساء
WTV_Frequency

«الصوفية التي أحيت ما تبدد من أحوالي أخيراً، منحتني احتمالات التعامل مع الأقدار والموت والحب والرهبة بما يشبه الغيبوبة اللذيذة».

حوار أجراه الناقد الليبي نورالدين محمود سعيد لـ«بوابة الوسط» مع الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين، الذي رحل بعد أربعة أشهر من إجراء هذا اللقاء، حول تجربته الشعرية، وعالم القصيدة التي ينتمي إليها، والتي امتازت بالحداثة المنطلقة من العراقة، والموت والتاريخ والعناصر، والروح، والزمن.

نشأت بيني وبين هذا الشاعر والمعلم الكبير، محمد علي شمس الدين، صداقة من نوع خاص، رغم عدم لقائي به شخصياً، وكانت عبارة عن مراسلات في وسائط عبر حساباته، وكذلك على وسائط التواصل الاجتماعي، خصوصاً وأنه رحمه الله قبل وفاته كان يدير صفحته التي ينشر فيها كل لقاءاته وإبداعاته، ونمت بيننا هذه العلاقة الفكرية بنوع خاص أيضاً من المحبة والتقارب، لعل من بينها تقارب الأفكار والنقاشات التي دارت بيننا في مسائل مهمة وعميقة، والتي كان شمس الدين قد أثنى في الحقيقة عليها، وقد دونها في حسابه، إلى أن شرفني شخصياً، بإجراء لقاء معه، عبر طرح مجموعة من الأسئلة والتساؤلات، التي أغبطته كثيراً، وأجاب عنها كلها:

هل تتزاحم الأبيات عند باب المخيلة فتختار أجملها، أم أنك تفتح الباب لها دون حجب ما لا يروق لك؟
- نعم تتزاحم وتطل برؤوسها وتتمنع وخلال الكتابة غالباً ما أكتب أكثر من قصيدة واحدة في وقت واحد بمعنى احتمالات وأشكال وتجارب عديدة في المعنى والسياق والشكل واللغة والموسيقى، وهناك تدفق ولكن أيضا تمنّع وتعسّر أحيانا يقف مجرى النهر على حجر كلمة وزن توازن ويعذبني ليلاً بكامله، وربما لم ينفتح المجرى فتبقى القصيدة معلقة ولا أعلم متى يفتح المجرى أو يفتح لي.

كيف نكتب؟ هل يُبعث الجمال في أرواحنا، أم إننا نتحسس سير حركة الأرض حين تشق الغيب صوب مجاهل لا نعلمها، وهل صحيح أن الأرض مركبة شعر لشاعر هجع واستمع لرائحة الورد في حقل جوري؟
- الشعر مركبة غامضة لها اتجاهات كثيرة، ولكنها قلقة لا المعنى مستقر ولا اتجاه الريح معروف، والمركبة تسير في هذا الهياج ولكنها قد تتحطم. غالباً ما تتحطم مركباتي، لذلك تشعر بطعم رماد في ما أكتب.. وربما عدمية، والصوفية التي أحيت ما تبدد من أحوالي أخيراً، منحتني احتمالات التعامل مع الأقدار والموت والحب والرهبة بما يشبه الغيبوبة اللذيذة.. نشوة الغيبوبة.

مَران الشاعر على السباحة، يساعد على تنبهه إلى مركبة الشعر، الأرض.. الشعر جرح من جروح الأرض.. فهل الشاعر بذرة أغنية نمت على مهَل؟
- الشعر جرح من أقدم جروح الغيب، هذا هو تعريفي بالشعر. فهو جرح لأنه كلمة والكلمة جرح يجرح بها الشاعر الوجود ليستخرج دمه أي سره وباطنه، وهو جرح قديم مصاحب للإنسان من أول وجوده. أما الغيب فيبدأ بالمستور المجهول وينتهي بالسر الأعظم الله عز وجل.

الأبستمولوجيا في نظرنا ليست فقط علم العلم، بل هي أثر الشاعر في الوجود بعد مخاض معرفي عسير.. هل توافق، ومتى تكون بعض العلوم أشعاراً؟
- ما علاقة الشعر بالمعرفة بالعلوم بالتكنولوجيا بأبستمولوجيا المعرفة في الأساس اللغوي شعر عُرف لكن في القاع الإبداعي والأفق الشعري فإن الشعر ليس المعرفة بل قلق المعرفة ولذلك فإنني أرى أن الشعر يبدأ من حيث تنتهي المعارف وينتهي التاريخ.. كيف؟ سأجيبك: أقصد أن الشعر هو التحويل الشعري لكل شيء يمسه لذلك هو الأقرب للسحر منه للعلم وأقرب للحلم منه لليقظة ولماذا؟ نسأل ونجيب: لأنه ابن المخيلة الفذ وابن ديناميكية الكلمات في عقلها وطيشها وشطحها ولا وعيها وطبقاتها الأكثر سفلية وغوراً ونسياناً.

متى يحتك الشاعر بالوجود لينتج شعراً، هل فقط في صراعه مع الأشياء ذات العلاقة، كأن يرى قمراً استدار على وجه سيدة، أم بطريقة أخرى، يواجه مشهد حرب؟
- الشعر متأهب دائماً كطلقة في فم مسدس، واحتكاكه بالوجود لا يهدأ لأنه يعمل في الليل والنهار بل لعله كائن ليلي لا ينام فحركة اللاوعي هي محرك الشعر الأقوى والأعظم، إنه المساحات السوداء التي لا تحد من كينونة الشاعر والإنسان.

بعض القصائد تكتمل بروعة، ولا نبوح بها، لماذا؟ هل هو الخوف من اكتمالها؟ أم من جمالها، أم من علاماتها، من ماذا إذاً يا ترى؟
- كل اكتمال لقصيدة منقوص. فالقصيدة دائماً هي الابتداء، وهنا الشعر كالدهر لا أول له ولا آخر، بل لعله الدوران وللدوران في الرقص أهمية خاصة وهو في الجسد يماهي دوران الأفلاك والمياه والأنوار والدماء. أما الجمال فأهم ما فيه (غموضه والخوف). لأنه يُذَكِر، ليس فقط بالحياة، بل بالموت أيضا.

ولد الشاعر محمد علي شمس الدين، في العام 1942، في قرية بيت ياحون قضاء بنت جبيل بجنوب لبنان، ونشأ في بلدة عربصاليم قرب النبطية، وفيها قضى صباه المبكر، وتشرب الكثير من القيم التربوية والفكرية والإبداعية التي ظهرت بوضوح في شعره فيما بعد، إلى أن تماسكت مدرسته بأسلوبه الإبداعي المتفرد، والمطرز بالأبهة الشعرية، وكذا المشفر بالرموز الجمالية التاريخية العربية والإسلامية، في أغلب مظاهره الإبداعية والفنية، وتوفي يوم الأحد الحادي عشر من سبتمبر 2022.

بعض الإصدارات الشعرية والنثرية 
صدر للشاعر مجموعات شعرية مطبوعة عديدة، منها: «قصائد مهرّبة إلى حبيبتي آسيا»، و«غيم لأحلام الملك المخلوع»، و«أناديك يا ملكي وحبيبي»، و«الشوكة البنفسجية»، و«طيور إلى الشمس المرّة»، و«أما آن للرقص أن ينتهي»، و«أميرال الطيور»، و«ممالك عالية»، و«النازلون على الريح»، و«اليأس من الوردة»، و«كرسي على الزبد».

ومن مجموعاته الشعرية أيضاً، نذكر: «المجموعة الكاملة» عن دار سعاد الصباح 1994، والأعمال الكاملة (جزءان) عن المؤسسة العربية للدراسات.

ومن إصداراته النثرية «رياح حجرية»، و«كتاب الطواف»، و«حلقات العزلة»، و«غرباء في مكانهم»،و «آخر ما تركته البراري «سيرة صغيرة».

بيروت وشمس الدين والشعراء الغائبون!

تناولت عديد الكتب أشعاره من خلال دراسات أكاديمية وبحثية، ورسائل ماجستير ودكتوراه، ومنها:
• لغة محمد علي شمس الدين الشعرية، في سلسلة الأدب الحديث - حركة الريف الثقافية – لبنان 1996 للدكتور علي زيتون.
• الرؤية إلى العالم في شعر محمد علي شمس الدين - أطروحة كتوراه للشاعر فاروق شويخ - الجامعة اللبنانية.
• شعرية الانزياح: دراسة في الأعمال الكاملة للشاعر محمد علي شمس الدين - أميمة عبدالسلام الرواشدة - جامعة مؤتة – 2004.

مقطع من أشعار د. محمد علي شمس الدين
«سأرتب ما بين ولاداتي وفتوحاتي
بجروح أغرسها بين الأثلامِ
كفلّاح يغرز محراثا في الأرض العطشى وينامْ
فالحد الفاصل بين (مضى) و(أتى)
كالحدّ الفاصل بين الآلام»

الناقد نورالدين محمود سعيد
مترجم وخبير في السينما والإخراج والفنون واستراتيجيات الإعلام، ترأس أقسام الفنون السمعية والبصرية بجامعات وأكاديميات داخل ليبيا، ونال الدكتوراة في فلسفة الفنون المرئية من جامعة فلورنسا، نشرت له مجموعة من البحوث والدراسات عن تشيخوف والنيهوم والكوني وغيرهم، وترجم لأدباء وباحثين بالأخص من إيطاليا، من منشوراته: «المونتاج السينمائي الرقمي وعلم العلامات»، و«مذكرات في تاريخ السينما»، ومن ترجماته: «مختارات من الشعر الإيطالي»، «رولان بارت المغزى الثالث».

بعض أغلفة كتب الشاعر اللبناني الراحل محمد علي شمس الدين.
بعض أغلفة كتب الشاعر اللبناني الراحل محمد علي شمس الدين.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
من منصة التتويج في «البندقية».. مخرجة يهودية تندد بالإبادة الإسرائيلية في غزة
من منصة التتويج في «البندقية».. مخرجة يهودية تندد بالإبادة ...
100 فنان أفريقي يعرضون لوحاتهم في معرض تشكيلي بجوهانسبرغ
100 فنان أفريقي يعرضون لوحاتهم في معرض تشكيلي بجوهانسبرغ
بالصور والفيديو: انطلاق النسخة الأولى من مهرجان «تجرهي الدولي للمهاري»
بالصور والفيديو: انطلاق النسخة الأولى من مهرجان «تجرهي الدولي ...
إعلان الفائزين في سباق المهاري الدولي الأول ببلدية تجرهي لعام 2024
إعلان الفائزين في سباق المهاري الدولي الأول ببلدية تجرهي لعام ...
ألمودوفار الفائز بـ«الأسد الذهبي» في مهرجان البندقية: «فيلمي باللغة الإنجليزية.. والروح إسبانية»
ألمودوفار الفائز بـ«الأسد الذهبي» في مهرجان البندقية: «فيلمي ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم