يرمز التراث المادي والروحي لأي بلد إلى آفاق التفاعل الحضاري بين سكانه من جهة والبلدان المجاورة من جهة أخرى أو لهجرات انصهرت في تركيبتها الديموغرافية منعكساً في منجز فكري واقتصادي واجتماعي وسياسي كذلك.
وإضافة لتعبيرها عن خصوصية المجال الزمني والظرفي المشكل لها فهي ترسم محددات الهوية المكانية ومظاهرها في الفن واللباس والعادات والتقاليد وغيرها. وهوما دفع القائمين على البيت المورسكي بالمدينة القديمة إلى إقامة معرضهم الأول تحت عنوان «ليبيا على مر العصور» حيث يلتقي الزوار على مائدة التراث المشكل من تمازج الهجرات الأندلسية إثر سقوط غرناطة مع سكان بلدان الساحل الأفريقي حيث تمثل ليبيا إحدى محطاتها الرئيسية. ولفهم خصوصية هذا المعرض التقت «الوسط» أسامة الأسطى مدير البيت المورسكي في طرابلس في حوار أوضح فيه فكرة المعرض ودلالة تسميته.
كيف جاءت فكرة المعرض؟
بعد إجراء عملية الصيانة للبيت راودتنا فكرة تخصيصه كمعروض للمشغولات التراثية بحكم اهتمامنا بهذا الجانب، وكما تشاهد فالمعرض في نسخته الأولى لم يكن متخصصاً في جانب معين، فيحوي المقتنيات الفضية والخزفية إضافة إلى كتب قديمة ومجلات وجرائد وهي إطلالة مبدئية لمعارض قادمة أكثر جدية واحترافية.
ماذا عن دلالة التسمية؟
للأسف هناك أناس ـ في إشارة الى المورسكيين ـ ظلمهم التاريخ مرتين، الأولى عندما طردوا من بيوتهم، كانوا أصحاب الدار وفجأة وجدوا أنفسهم خارجها والمقصود المسلمين وغيرهم ممن هجروا الأندلس عقب سقوط غرناطة تحت ضغط محاكم التفتيش، ومع مجيئهم الى الشمال الأفريقي تركوا بصمتهم في جميع الحرف على امتداد خط سيرهم من المغرب إلى الجزائر وتونس وليبيا ومصر وغيرها.
وهنا كانت مظلمتهم الثانية في إهمالنا الإشارة إلى أثرهم وأقلها عائلة القرقني التي تولى أحد أفرادها ولاية طرابلس وقاموا مع بقية الأسر المورسكية بتعليم الليبيين عديد الحرف ونجد نماذجها في المسكوكات والمصنوعات الفضية، وللأسف هذه المسكوكات والمصوغات اندثرت نتيجة للظرف الاجتماعي والاقتصادي الذي مرت به ليبيا خلال السنوات الماضية، فحلي الفضة لو لم يجر إنقاد بعضها لذهبت إلى وعاء الصهر نتيجة ارتفاع سعر الغرام، وتضيع بالتالي قيمتها التاريخية والجمالية ودلالة النقش المرسوم، كما أن الفضة القديمة تمتاز بسماكتها وصلابتها وجودتها.
- للاطلاع على العدد 409 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا
فقدنا مصوغات ترجع لفترة الصائغ الإيطالي انجونينيوا الذي قدم إلى طرابلس وعلم الحرفيين الكثير من فنون النقش والزخرفة على المعادن، حتى أن بعض أعماله تباع في إيطاليا بمبالغ كبيرة لشهرته وجودتها.
هل هناك جهات تعاونت معكم في تجميع المادة المعروضة؟
بعض الصور القديمة تحصلنا عليها من الإنترنت، وكذلك من الدخول في بعض المزادات، كما أن إحدى الصور التقطها رحالة إنجليزي 1890وهو من القلائل الذين كانوا يمتلكون كاميرات في ذلك الوقت، جاء إلى طرابلس والتقط صوراً لبعض لمعالمها، وبقيت هذه الصور في حوزة الرحالة وتوارثها ابناؤه الذين عرضوها في المواقع للبيع وبدورنا كمهتمين تحصلنا عليها.
كم يبلغ عمر البيت؟
من الصعب تحديد عمره بشكل دقيق، لكن ما أعلمه أن عمر البيت تجاوز 250 سنة بشهادة الخبراء، وبالطبع يوجد تاريخ سابق لهذا البيت لكن ضعف الأرشفة والتوثيق حال دون تبين ملامح تلك الفترة.
ما تشاهدونه من معروضات هو حصيلة عشرين سنة من التجميع للمقتنيات من داخل وخارج ليبيا، ولوحات نادرة كصورة للنائب أحمد الأنصاري وهي الوحيدة له ترجع للعام 1800، كذلك كتاب «المنهل العذب في تاريخ طرابلس الغرب» الطبعة الأولى منه المعروضة حالياً نشرت العام 1899. أيضاً كتاب الأحكام الإيطالية في ليبيا فترة عشرينيات القرن الماضي في ثلاثة مجلدات، إضافة الى مضابط جلسات مجلس النواب خمسينيات القرن الماضي.
جميع اللوحات الموجودة أصلية كما نرى في عمل للفنان الراحل جمال الغراري، وينطبق ذلك على البنادق والتحف. إلى جانب آلات الموسيقى والعملات الورقية التي شهدتها السوق الليبية خلال عهود الحكم السابقة.
ما العوامل التي تساعد في الاهتمام بهذا التراث؟
على المستوى الفردي لا بد من توفر مناخ نفسي واقتصادي يمكنك من تسخير وقتك وجهدك لهذا الاتجاه، والمسألة ذاتها تنطبق على الدولة، فالدولة التي لا تهتم بتوفير أبسط سبل الحياة الكريمة للمواطن، لن يعنيها كثيراً التفكير في ميراث تاريخي أو غيره.
تعليقات