Atwasat

محمد الفقيه صالح و«عروش الظلال».. قصائد تحتفي بالمكان ومراسم الذكرى

القاهرة - بوابة الوسط الجمعة 19 مايو 2023, 08:55 صباحا
WTV_Frequency

لا يمنح الشاعر محمد الفقيه صالح في ديوانه (قصائد الظل) الصادر عن دار الرواد الليبية لنفسه أسلوب الوصاية على خيال القارئ، بقدر ما يجعله في دائرة رصد تلك المدارات الحبلى بالذكريات ليصبح القارئ فاعلاً في قاموس اللغة الشعرية المتشابكة مع رسمها النفسي وتكويناتها الجمالية ودوافعها الفنية المبحرة في ثلاثية الزمان والمكان والشخوص.

ربما تمثل تحولات الشخوص من الصورة المستترة الى الظهور أحياناً كما نرى في بعض النصوص احتفاء بقدسية اللحظات الساربة في الزمن، ومحاولة وضعها في قالب المشهد المعاد شعرياً نظرة من زاوية أخرى.

هل يمكن أن نتحدث هنا عن تأسيس رؤية بديلة أو معدلة تمنح الشاعر استنطاق أسئلة الممكن أو المتاح بعيداً عن الذوبان في الرومانسية المفرطة؟

شفرة العبور
دون الحاجة حتى إلى ديباجة افتتاح يدخل الشاعر بوابة القصيدة متسلحاً بالجواز الشعري أي ما تتملكه روح القصيدة دون غيرها مجاز مفتوح من التأويلات والأحلام وشغف الأمنيات ينبعث من جذوة الكلمات المتدافعة من لهب دفين يقول النص (دعوني / أيها العابرون/ قبل أن تدخلوا/ أرتدي جبة الملك / وأضع التاج على رأسي /لأجلس /بما يلزم من مراسم /على عرش الظل ).

حيث لا يروق لهذا العالم مفازات الضوء ولا يحتفي بالوضوح كان للسخرية أن تنهض على ركام مشبع بتجليات ترمق استفاقة مؤجلة، وإلى حين ذلك فهي تكتفي بعروش الظلال، حيث لا يحيا العالم إلا وفق هذا الناموس والطقس الأزلي من العبث.

للاطلاع على العدد 391 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

هذا التتويج يمتاح من وصف لرحلة العمر المتكئة على التأمل إذ يشير في نص (ستون ) بالقول «جالس وسنيني معي قرب نافذتي نتأمل ما مر أو ما تسرب من ممكن».

لكن هذا السكون لا يستكين الى الجمود فهو موعود بالحركة والانسلاخ ولو على احتشام من ربقة التكرار لذلك تبقى عناصر التغيير موجودة كيفما كانت الأوضاع كما في النص: سأفتح في التو نافذتي /أتوحد بالظل / أغدوا أنا والحفيف / وزقزقة الطير / والعشب / معزوفة واحدة).

لكن للزمن حضوره الصارم ولقوانين الواقع ممر لا مفر من ولوجها حتى ولو كنا على غير وفاق معه وستجوب القصيدة هنا باحثة عن مفردات التلطيف والتي لا تخلو من بعض همسات البوح أو الاعتراف بأن اللغة هنا قاصرة عن المدارات تلك هي قدسية اللحظات الفارقة عندما نكون أمام مرآة الذات: دعي عنك جانبا/ ما ترينه يكلل هامتي / فهذا فقط / من أجل مسايرة أترابي / وتصريف أموري / مع دهاقنة الوقت). وربما تجد الذات نسختها المعكوسة في جسد الأبناء وبالتالي يصبح الفعل هنا امتداداً لحدث هناك كما في نص (هزيمة): كيف ألهيتني يا بنتي / وجعلتني أتناسى / أن طفلك الوليد في التو / كان سيباغتني ذات يوم / ويزجني / مرغماً وسعيداً/ في خانة الجدود).

لحظة ميلاد
من تلك العجائب التي قد يخبئها لك القدر، لحظة ميلاد تأخر ظهورها، حيث كان الموت يداعب أنشوطته حولك، الا أن لقيا الحياة تستعيد لحظتها المنفلتة، هكذا يجد الشاعر الراحل محمد الفقيه صالح نفسه سنة 2012 أمام أوراق تشير إلى حكم أصدرته المحكمة الثورية سنة 1986 يقضي برفع الحكم من مؤبد إلى إعدام إلا أن الحكم الإلهي كان له رأي آخر، وبذا كان نص (كان يمكن ألا يكون) أنشودة غد كاد أن يسرق، لذا يقول الفقيه في نصه: فإذن.. / كل هذا الذي مر بي / كان يمكن ألا يكون / كان يمكن ألا أزور البلاد التي زرتها / أو أذوق أطايبها / أو أمارس ما عن لي من جنون).

ذلك الجنون الذي تمدد على وسادة الأحلام ولاحق الشاعر في تراتيله الأثيرة وكاد ألا يكون: (كان يمكن ألا يهاجمني الشيب / يركز راياته في قلاعي / وألا يباغتني الشعر غباّ / بما يتيسر من صعقات الشرار الضنين).

حتماً لحظة الميلاد تمارس غوايتها مرة بعد أخرى، عندما نهض طائر الفنيق من تحت الرماد معلناً شعلة المستحيل، لذا توجه السؤال الى نص (المرآة): هل تصدق المرآة/ أم تهذي؟/ فترسم صوة لي / غير ما أرجو). ووفق هذا الإيقاع الشكي لن يكون للقصيدة مذاقها وسطوتها حتى تتمظهر في مراوغة أخرى قاصدة أثر الريبة ففي نص (كابوس): ما كان يلمحه سرابا/ من بعيد / قيل بل هو نبع ماء). وسيكون عندئذ طائر الفينيق متشاغلا عن نفض الرماد وعن قيامته، متواطئاً مع لعبة الغموض والقصيدة الحلم التي يطمح الشاعر لكتابتها في سفر نص (رؤيا ): بلا ظل / ولا شجر/ ولا طير يحط عليه).

محمد الفقيه صالح. (الإنترنت)
محمد الفقيه صالح. (الإنترنت)
محمد الفقيه صالح خلال ندوة شعرية. (الإنترنت)
محمد الفقيه صالح خلال ندوة شعرية. (الإنترنت)

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
فنانون أيرلنديون يطالبون بمقاطعة «يوروفيجن»
فنانون أيرلنديون يطالبون بمقاطعة «يوروفيجن»
لأول مرة.. ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب في 2024
لأول مرة.. ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب في 2024
ذكرى الوحدة الوطنية تحت مجهر القبة الفلكية
ذكرى الوحدة الوطنية تحت مجهر القبة الفلكية
أولمبياد باريس: متحف اللوفر يقدم جلسات رياضية أولمبية
أولمبياد باريس: متحف اللوفر يقدم جلسات رياضية أولمبية
باكورة إصدارات «غسوف»: رواية ورياضة وتراث
باكورة إصدارات «غسوف»: رواية ورياضة وتراث
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم