استضافت دار الفنون ندوة احتفائية حول كتاب «الإرث الحضاري والثقافي المعاصر لمدينة مرزق»، الذي أعده مجموعة من الباحثين، شارك فيها كل من الدكتور عبدالله السباعي بورقة عن الفن المرزقاوي، وتناول الدكتور إبراهيم الحاج أثر التعليم في تطور المجتمع المرزقي، فيما تطرق الدكتور حماد بريكاو إلى خصائص التنظيم الاجتماعي للمجتمع المرزقي.

وأشار المهندس خليفة المهدوي، مدير الدار، إلى رحلة الإصدار بقوله: «منذ خمس سنوات ونحن ننتظر خروج هذا المولود، الذي كانت أولى محاولات نشره في سنة 2016 خلال ندوة لوزارة السياحة، وتعهدت وزارة الثقافة بعملية الطبع، لكن شيئا لم يحدث، و بقى مصير الكتاب في انتظار المجهار حتى تنادى أبناء مرزق وأصدروه».

- الجمعية الليبية للآداب تنظم ندوة حول كتاب «المنفى الذهبي»

وأضاف أن ميزة الكتاب جمعه بين ثقافة الساحل والصحراء (شمال وجنوب، شرق وغرب)، حيث مروا من مرزق، وتعايشوا مع أهلها وشكلوا مجتمعا متكاملا مزج حضارات مع بعضها بعضا، وبذا وجب الحفاظ على هذا الموروث وتعزيز وجوده بالبحث والدراسة.

وألقى المهدي الطاهر كلمة الفريق البحثي، مشيرا إلى طريقة عملهم وما يختص بأدبيات الكتاب ثم إلى التفاصيل المعنية بالفهرس في بسطة تعريفية بمرزق، متوقفا عند جغرافية وتاريخ المنطقة، إضافة إلى النشاط الخدمي والإنتاجي.

وأوضح سليمان أبوالخيرات، رئيس مجلس حكماء وأعيان مرزق، إلى مسألة الحفاظ على الهوية وتاريخ المدينة الضارب في القدم وأهمية أثره السالف.

رحلة البحث
ونتوقف قليلا في عرض انتقائي لمحتويات الكتاب، الذي أسهم في إنجازه اثنى عشر باحثا، وهم أبوبكر لاغا منسقا للفريق وعضوية كل من المهدي الطاهر، والسنوسي حبرشي، وعمران باوه، ورشاد المهدي، وعبدالسلام شحيره، وعبدالسلام حبرسي، وامحمد إبراهيم، وعبدالله عبدالكريم، وأبوبكر جادرم، وعلي عبدالرحمن، وعمر عبد النور.

وشملت الدراسة الفترة الزمنية من بداية الأربعينات حتى منتصف السبعينيات (1940-1975)، واتبع الباحثون أسلوب الاستقصاء الاجتماعي القائم على استراتيجية المقابلات الشخصية والوثائق، في مدة استغرقت 4 سنوات.

ويشير الإصدار إلى مرزق كواحدة من المدن الصحراوية الأثرية والتاريخية الموغلة في القدم، حيث كانت في السالف عاصمة لفزان في عهد أبناء امحمد الفاسي، وتمثل الجزء الأهم من الصحراء الكبرى، إذ تعتبر حلقة وصل بين شواطئ البحر المتوسط وقلب أفريقيا.

وينقل الكتاب وصف الحشائشي لمرزق بأنها «قاعدة فزان الكبيرة التي بها المتصرف والعسكر، تبعد عن طرابلس بمسيرة ثلاثين يوما تقريبا بالقوافل»، ويلفت جمال الدين النظر إلى كون مرزق انفردت عن سائر مدن فزان بأنها تعد مركز العمران الحضري، ومن ثم يطلق عليها مدينة في حين تعرف المراكز الأخرى بالقرية أو البلاد.

وتذكر الروايات التاريخية أن مرزق أسسها أحد المرابطين المراكشيين (امحمد الفاسي) في القرن الرابع عشر، ومع ذلك تضاربت الآراء حول نشأتها، كما أشار عدد من الباحثين بسبب عدم احتفاظ المدينة بشواهد أثرية يستدل بها، ومرجع ذلك ضعف هندستها المعمارية التي اعتمدت على السبخات الملحية المتوفرة بها.

ويورد الكتاب إحدى الروايات التي توضح أن نشأة المدينة كانت منذ زمن الفراعنة، كما قامت بجانبها الكثير من الحضارات التي بقيت آثارها شاهدة على وجودها حتى اليوم، مثل متخندوش وجرمة وأكاكوس.

أطعمة ومعمار
يوثق الباحثون في هذا الإصدار أن للمدينة ثلاثة أبواب، أحدها من الشرق ويسمى الباب الكبير، وهو المدخل الرئيس للمدينة، وآخر من الناحية الشمالية ويسمى باب الخير، ثم باب قمقم، ويتكون سور المدينة من أبراج للمراقبة، كما يضم حيين رئيسيين هما الزوية والنزلة يتوسطهما شارع الدندل، يبدأ من باب الكبير وينتهي بباب الشريعة، وهو البوابة الرئيسة لمجمع القلعة، ويقع في منتصف الشارع الجنوبي سوق مرزق الشهير بطرازه المعماري الرائع، وتصطف على جانبيه عديد المحلات التجارية وبعض المباني الحكومية.

وفي الجزء الغربي من المدينة تقع قلعة مرزق الأثرية على ربوة عالية، وهي عبارة عن مركب معماري به القلعة والجامع وبعض المرافق الاخرى ويظهر على الطابع المعماري للمدينة النمط الإسلامي.

وتناول الكتاب الأطعمة الشعبية المعروفة بمرزق منها وهي تمثل امتزاج الثقافات التي مرت عليها إبان زمن القوافل، من الأطعمة مثلا المعجنات وتشمل: الأطرية، والدويدة، والحمبصة، والمقطع، والكسكسي، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الوجبات تعد من دقيق القمح بعد عجنه، وهي تقدم في جميع الأوقات لسهولة تحضيرها.

ويذكر الباحثون في جانب آخر الصناعات التقليدية، منها قائم على النخيل كالأطباق وهي أكثر الصناعات التقليدية انتشارا وكذلك العماري والقفاف والسلال والمراوح، وما يعرف بالبوشية والقداقيد. وهناك صناعات قائمة على ليف النخيل، مثل الحبال والمراوح والمكانس والشباك والحوايا والمناقل.

ومن النخيل إلى الصناعات الفخارية، ومنها: البواقيل، والقدور، والمنقل، والبخارات، والزلاف، والتنور، ثم الصناعات الخشبية، وتشمل: الكؤوس، والمهاريس، والملاعق، والقدح، والمكاييل.

شعر وموسيقى
وفيما يتعلق بالثقافة، تطرق الكتاب إلى الأمثال الشعبية المحاكية للعادات والتقاليد والحياة الاجتماعية بصفة عامة، وأورد أمثلة على ذلك كالخاصة بالنصيحة، والصبر، وكذلك الحديث بين الفلاح وشريكته أو عن الحسرة والندم، إضافة لما يخص الخيل وعزة النفس.

وينتقل الحديث بعدها عن الفن المرزقي والآلات المستخدمة فيه ثم الأعراس وتفاصيلها، وضم الكتاب أيضا بابا عن الألغاز والأحاجي، كذلك المهرجانات والألعاب والمسابقات، وبذكر نماذج منها، مثلا مهرجان «تخمير الطبل»، وهو عادة يعقد أثناء صناعة طبل جديد، ومهرجان «جهر السواني» و«الزاحوفي» و«الدكداكة»، وهو حفل يقام في اليوم الأخير من أيام الفرح، إضافة إلى سلسلة من الألعاب الشعبية كالمصارعة ولعبة كرة الباكور والسيق.

نقلا عن العدد الأسبوعي من جريدة «الوسط»

ندوة حول كتاب «الإرث الحضاري والثقافي المعاصر لمدينة مرزق»، الذي أعده مجموعة من الباحثين (بوابة الوسط)

ندوة حول كتاب «الإرث الحضاري والثقافي المعاصر لمدينة مرزق»، الذي أعده مجموعة من الباحثين (بوابة الوسط)

ندوة حول كتاب «الإرث الحضاري والثقافي المعاصر لمدينة مرزق»، الذي أعده مجموعة من الباحثين (بوابة الوسط)