أقيمت بمدرج رشيد كعبار بجامعة طرابلس، الإثنين، ندوة فكرية عن الإسلاموفوبيا، نظمها المنتدى الثقافي للجامعة في تحت شعار «ثقافة، إبداع، حوار»، أدارها الدكتور إسماعيل القروي بمشاركة كلٍ من الكاتب إبراهيم الربووالدكتور إبراهيم الكاسح والدكتور عبدالرحمن فرحات.
الورقات تناولت أسس العلاقة بين الغرب والشرق أو بين أوروبا والإسلام من المنظور الديني والإشكال الناتج عن الفهم المغلوط من جانب الغرب للإسلام، والتي أشار الدكتور خالد عون عميد جامعة طرابلس في جزء منها أثناء حديث استهلالي للندوة.
حاضنة ثقافية
وتطرق الدكتور إبراهيم الكاسح إلى مصطلح الإسلاموفوبي وتحولات المفهوم في الحاضن الثقافي الفرنسي، وذلك من خلال بعدين «موضوعي» و«ذاتي»؛ حيث يقوم الأول على تقدير تاريخي حضاري، بحكم أن فرنسا من أقدم الأمم الغربية المسيحية التي حظيت بعلاقة خاصة بالشرق الإسلامي منذ القرن الثاني الهجري ودلائل ذلك منذ معركة بلاط الشهداء وحتى وقتنا الحالي، فيما يشخص البعد الثاني الأثر العنصري الموجود في الخطاب الفكري والأدبي والإعلامي، وتحديداً المتعلق بسطوة اليمين المتطرف في فرنسا التي يتواجد بها أكبر جالية إسلامية في أوروبا البالغة خمسة ملايين، ما يضع الدين الإسلامي في المرتبة الثانية بعد الكاثوليكية من حيث العدد.
ويرى من جهته أن الدين الإسلامي يتصدر المشهد من زاوية المتعبدين وتطبيق شعائر الصلاة، لأن الكاثوليك يخصصون فقط يوم الأحد للذهاب إلى الكنائس، وهو لا يقارن بالالتزام لدى المسلمين في تأديتهم للفروض على مدار اليوم، في المراكز والمساجد الفرنسية.
وبالرجوع إلى الاعتبار الموضوعي وضعت الدولة الفرنسية شعاراً لها وهو «الحرية والأخوة والمساواة» والذي يعتبر اختباراً لتوجهات اليمين المتطرف وتصرفاته نحو الإسلام وجاليته، وسرد الكاسح بالخصوص تجربته الشخصية عندما ذهب إلى فرنسا سنة 2000 ووقع بصره في مطار «ديجول» على جملة «الأجانب خارجا» مكتوبة على باب دورات المياه، والتي مثلت حالة تماس بين وعيه الذاتي والوعي الجمعي الفرنسي الذي تلته مجموعة من الممارسات منها ما طالته شخصياً وأخرى كان شاهداً عليها.
تفكيك المصطلح
وانتقل المحاضر إلى تفكيك مصطلح «الإسلاموفوبيا» المكون من ركنين، عربي وآخر معرب الأول «الإسلام» والثاني «فوبي» الراجعة للجدر اللاتيني «فوبوس» وهو الخوف والهلع، الخوف المفضي إلى الكراهية والتي بدورها تقود إلى العدائية، ويبقى السؤال من صاغ هذا المفهوم؟ يجيب الكاسح أن منظمات المجتمع المدني والتكتلات التي تشتغل على حقوق الأقليات في المجتمع الفرنسي من صاغت ذلك، ويسوق التعريف الذي قدمته اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان القائل: «الإسلاموفوبيا حالة عدائية منتظمة تجاه المسلمين والإسلام» أي أنها ليست عارضة إضافة لكونها غير مبررة عقلانياً، إذ تعود في الأساس إلى المكون النفسي الذاتي لصاحبها، وتعرف اليونيسكو المصطلح «باللا تسامح والعنصرية إزاء المسلمين» ويقدم المجلس الأوروبي أيضاً مفهومه للإسلاموفوبيا «بخوف ونظرة مشوهة مسبقة للإسلام والمسلمين تترجم في أفعال تمييزية عنصرية مبالغ فيها».
ويخلص من ذلك أن صياغة المصطلح جاءت من مؤسسات مجتمعية وليست مدونات أو أدبيات فكرية، وتكتمل دلالته في ثلاثية «العنصرية، معاداة الأجانب، الإسلاموفوبي» فالعنصرية تحيل إلى مفهوم قديم متأصل في الحضارة الفرنسية ووجد حضوراً لافتاً في القرن التاسع عشر وقد جسدت من خلال العبودية والاستعمار، وكانت في بداياتها خارج الحدود الفرنسية صادرة من الحكومة إلى الأراضي التي تحتلها، فيما نرى الحالة الثانية وهي معاداة الأجانب ماثلة في معاملة الأجنبي القادم إلى فرنسا ذي الثقافة المختلفة، ويتقاطع الإسلاموفوبيا مع المصطلحين في العدائية ويختلف باعتباره مؤسساً على خلفية دينية.
إعلام موجه
وتوقف الباحث عند مجموعة العوامل التي صاغت هذه الحالة، وهي عنصران رئيسيان الأول خارجي سياسي والثاني داخلي إعلامي، فالسياسي مرتبط بالأحداث والتحولات الدائرة في العالم وكان تأثيرها واضحاً في الشارع الفرنسي أفراداً ومؤسسات، بداية من الثورة الخمينية 1979 ثم أحداث الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، وحرب الخليج الأولى 1991، يضاف إليه داخلية شهدتها فرنسا في أعمال قتل وتفجيرات للمسارح ومحطات القطار.
وأردف أن الإعلام الفرنسي ساهم في تكريس صورة مشوهة ومشوشة للإسلام من خلال نقل أحداث الجالية المسلمة في المدن والمناطق المحيطة بالعاصمة وتضخيمها للمشاهد الفرنسي مما يجعلها تمارس عليه تأثيرا فوبيا، وقد وصفها الكتاب الفرنسيون في مؤلفات مثل كتاب «الإسلام المتخيل» أي الصورة المغايرة للواقع، وكذلك مؤلفات أخرى تتحدث عن مفكري الميديا الذين تستضيفهم وسائل الإعلام بشكل منتظم وتساهم في رسم فكرة عدائية ضد المسلمين وقاموا أيضا بإقصاء المتخصصين في الدراسات الإسلامية حتى لا يعطوا معنى مخالفاً لأفكارهم.
ثنائية الحب والكراهية
وتحدث الكاتب إبراهيم الربو عن ثنائية الحب والكراهية بين الإسلام والغرب، موضحاً أن هناك ثلاث محطات رئيسة لعلاقة الغرب بالإسلام، تشير الأولى إلى الأثر الناتج من انهيار ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي والذي مكن أميركا من الاستحواذ على مقدرات العالم ووجهت خطابها الإعلامي بتصوير أن الإسلام هو الخطر القادم ويجب مواجهته، وترصد المحطة الثانية تبعات أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما نتج عنها من إلصاق الإرهاب بالإسلام وتشويه صورة المسلم كقاتل متعطش للعنف، وبث مفهوم أن الدين الإسلامي يحث على سفك الدماء.
وترتبط المحطة الأخيرة بسؤال: لماذا نحن ساهمنا في تنامي هذه الظاهرة، والإجابة كانت عبر الصراعات المذهبية التي تعادي الآخر ولا تريد الحوار ولا تبني علاقتها معه على قاعدة المشاركة الإنسانية.
ومن جانبه، أوضح الدكتور عبدالرحمن فرحات المتخصص في العقيدة الإسلامية التاريخ والنشأة لمصطلح الإسلاموفوبيا، والذي اتخذ شكلين «الأول كانت مواجهة مباشرة ضد الإسلام منذ زمن الحروب الصليبية، وتدريجياً تحولت إلى حرب ناعمة عبر إلصاق التهم والشبهات حول شخص النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتي امتدت إلى أتباعه والتركيز على مسألة أنه دين الإرهاب والرعب ليتم تجميعها في مصطلح الإسلاموفوبيا».
وتساءل الباحث عن عدم وجود مصطلح مثل الهندوفوبيا أو الكونفوشوسية فوبيا أو اليهوديا فوبيا وهكذا؟ وعدد أسباب ذلك منوهاً بأبرزها وهو التمدد الديموغرافي للدين الإسلامي.
نقلا عن العدد الأسبوعي من جريدة «الوسط»
تعليقات