الفنانة زهرة البيباص وعبقرية التحدي

بقدر ما انبهرت، بإصرار ونجاح إنسانة نجحت في تنفيذ وتحقيق ما يبدو لنا مستحيلاً! تأسفت، بالقدرِ نفسه، وحزنتُ ولمت نفسي كثيرًا! كيف أنني لم أسمع، بالفنانة التشكيلية زهرة البيباص؟ هذه المبدعة التي استطاعت أن تتحدى إعاقة بالغة وتسعدنا بلوحات نفذتها بريشة أمسكتها بأسنانها وغمستها في ألونها وقدَّمت لنا مُتعًا بصرية خارقة.

إنك من الظواهر المتميزة والمواهب الكبيرة 

سامحيني يا زهرة المبدعات الليبيات. سامحيني، يا ابنتي، المناضلة وأعتذر لك، لأنني لم أسمع عنك من قبل! وأنت المعروفة والمشهورة عالميًا في مجالك الفني. وللأسف الشديد كنت قد طلبت من النُخب الفنية في ليبيا أن يعينوني بأسماء مبدعينا من التشكيليين، لنكتب عنهم ونقدمهم للكسالى أمثالي، ولكن لم يصلني اسمك من أحد، ولكنني لمتُ نفسي، لأن موهبة مثلك يتعيّن على المرء أن يعرفها، فالظواهر المتميزة والمواهب الكبيرة غالبًا ما تكون مشهورة ومعروفة، ولذلك اقتنعت أن الخطاء مني، فاعذريني.

إن الإعاقة في الفكر وليست بالجسد

وعندما قرأت ما كتبته عنك الأستاذة الإعلامية عايدة سالم الكبتي في «فيسبوك» مبرزة أن بلادنا تزخر بالعديد من الفنانات التشكيليات المبدعات، غير أن واحدة منهن استوقفتها لأنها تحدتْ إعاقة بالغة، وانتصرت عليها، ولذلك ترى أنها متميزة تقول الأستاذة عايدة: «إنك تعانين من إعاقة في اليدين والقدمين..» وإنك في بداياتك ترسمين بقدميك، وفي سن السادسة من عمرك أُجريت لك عملية جراحية حالت دون قدرتك على الرسم باستخدام قدميك..» ولكنك لم تستسلمي وسريعًا ما باشرت ترسمين وتكتبين بفمك مبرزة أن الإعاقة في الفكر وليست بالجسد، وأن الإعاقة لا تحد من التفوق والطموح .

وبحثت وانبهرت بقدراتك العجيبة، أيقنت أن الله يضع سره في كل خلقه، وأن العبقرية هي اكتشاف هذا السر الإلهي، ولذلك توجّهت إليه أن يعينني أن أقدمك إلى الذين لا يعرفونك بما تستحقين. أنا مبهور بكِ، يرعاكِ الله. ويفتح لكِ أبواب العون والإبداع.

إنها فنانة رسمت وأبدعت واعترف العالم بموهبته

الآنسة زهرة البيباص فنانة تشكيلية وُلدت في طرابلس العام 1971 بإعاقة في يديها إلا أنها، وبإصرار عجيب، تغلّبت موهبة الرسم على هذه الإعاقة، فرسمت وأبدعت واعترف العالم بموهبتها، التي لم تتحقق بتنفيذها إلّا بأسنانها، فالإعاقة كانت في كفيها، ومع ذلك استطاعت وهي طفلة لم تتجاوز السادسة من عمرها أنْ تمسك القلم بأصابع قدميها وترسم! وبعدما عجزت القدمين، استخدمت أسنانها!

لقد وقف أسرتها بجانبها سندًا حقيقيًا يشجعها، فلم تتوقف ممارستها للرسم، وساندوها لتطوير هوايتها بالدراسة، حتى وصلت إلى المرحلة الجامعية، فدرست بكلية «الفنون والإعلام» وتخصصت في «الرسم والتصوير»، حتى تخرجت في جامعة طرابلس سنة 2000 وهي تعد رسالة الماجستير، مؤكدة بإصرار عجيب أنها ستنال درجة الدكتوراه في تخصصها، فهي ممتنة بتشجيع وتكريم أساتذتها في جامعة طرابلس الذين يعتبرونها من الطلبة المتفوقين. إبداعها تمثَّل في لوحات عديدة واقعية، وتجريدية، وسريالية، أما لوحاتها الزيتية قريبة من فنون الانطباعيين.

إنني أنحنى إليك مبديًا فخري، واعتزازي بك أيتها الفنانة

شاركت في العديد من المعارض الدولية، في تونس، وباريس ومالطا، وهولندا، والشارقة، وكراكاس فنزويلا، وإيطاليا والقاهرة، وأميركا، وأبهرت الناس بشغلها الأصعب، المسمى بالكروشيه أو الطي واستعمال الخرز والعقيق للتطريز وهو التحدي الأكبر لها، الذي قالت إنها واجهته وانتصرت عليه.

وأخيرًا، أيتها المبدعة، أنا لا أملك، يا ابنتي، إلا أن أنحنى إليك مبديًا فخري، واعتزازي بك ونحن نستشف معًا نفسًا واحدًا هو نسائم ليبيا العظيمة التي تفخر بك.