يفتح متحف في برلين أبوابه، الأربعاء، يروي مصير ملايين الألمان الذين طردوا من أوروبا الوسطى والشرقية عند انتهاء الحرب العالمية الثانية.
تقول غوندولا بافندام مديرة المعهد الجديد واصفة التحدي، الذي يواجهه فريقها «كيف نصوِّر موجات الهجرة القسرية التي عاشها ألمان دون أن نترك أدنى مجال للالتباس حيال مسؤوليتنا في إبادة اليهود؟»، وفق «فرانس برس»، الأحد.
ويعالج «المركز التوثيقي للنزوح والطرد والمصالحة» فصلًا دقيقًا من تاريخ ألمانيا، هو عمليات طرد الأقليات الألمانية الأصل المقيمة على الأراضي التي أُعيدت إلى بولندا وتشيكوسلوفاكيا والمجر والاتحاد السوفياتي ورومانيا بعد هزيمة الرايخ الثالث العام 1945.
وحجبت الفظاعات التي ارتكبها النظام النازي في بادئ الأمر معاناة هذه المجموعات، إذ حرَّمت إعطاء صفة الضحايا لأي ألمان. وقالت بافندام خلال زيارة نظمت للصحافة قبل افتتاح المتحف أمام الجمهور، الأربعاء: «يتطلب الأمر أحيانًا عدة أجيال وحلول الأجواء السياسية الملائمة» للنظر إلى الماضي.
وفي سعيه للتوصل إلى سرد متوازن، يضع المعرض عمليات الطرد في سياق المنطق التوسعي للرايخ الثالث بزعامة أدولف هتلر، وينظر إليها ضمن إطار شامل. ويتخذ المعهد مقرًّا له في وسط برلين بين متحف المقر السابق للغيستابو، الشرطة السرية لألمانيا النازية، وحطام محطة أنهالتر التي كان اليهود يرسلون منها إلى معسكر تيريزينشتاد في الجمهورية التشيكية.
هجرة الألمان
يدخل الزائر إلى الطابق الثاني المخصص لهجرة الألمان عبر قاعة مظلمة مخصصة لمحرقة اليهود.
وتلي ذلك شهادات شخصية على شكل أغراض حميمة تم التخلي عنها في حمى الفرار، وتروي قصص أفراد وعائلات، فيكتشف الزائر عربة استخدمتها عائلة فيرغر للفرار من منطقة في صربيا الحالية، أو قماشة مطرزة لم يتم إكمالها، أو حتى دمية طفل.
على حقيبة جلدية صغيرة طبع عنوان فتاة في مدينة فراوشتاد، وهي اليوم مدينة فسخوفا في بولندا: 36 شارع أدولف هتلر. قالت غوندولا بافندام: «لم يكن هدفنا إجراء جردة، بل الاطلاع على قصة كل غرض، على مصير كلّ عائلة». وتترافق كل قطعة معروضة تقريبًا مع شهادات صوتية لعائلات طردت من أراضيها أو أحفاد لها.
ويقدر عدد هؤلاء النازحين ما بين 12 و14 مليون شخص، وكان العديدون منهم ينتمون إلى الجاليات الناطقة بالألمانية المقيمة منذ القرن الثالث عشر في منطقة أوروبا الشرقية الممتدة بين نهري الدانوب والفولغا.
قوات الاحتلال
أيد بعض أفراد هذه الأقليات قوات الاحتلال النازية، ما أثار عداء السكان لها وشكل مبررًا لعمليات الطرد بعد انتهاء الحرب.
واعتبارًا من شتاء 1944-1945 هربوا أمام تقدم القوات السوفياتية، واستمرت عمليات نقل السكان المكثفة هذه بشكل منهجي بعد توقيع اتفاقات الهدنة وحتى العام 1950. وقضى ما لا يقل عن 600 ألف شخص في حركات الهجرة القسرية هذه.
عند وصولهم إلى ألمانيا المنهكة في ذلك الحين، واجه العديد منهم الريبة، بل أحيانًا العداء. وفي المقابل، أقامت المجموعات الممثلة للألمان المطرودين أحيانا روابط مع اليمين المتطرف.
وقالت غوندولا بافندام إن «هذا المتحف هو مدرسة التناقضات»، مذكرة بأنه «في ألمانيا، بقيت ذكرى عمليات الطرد الجماعية... لفترة طويلة عرضة لنزعة تحريف التاريخ».
وفي هذا السياق، غادرت الرئيسة السابقة لاتحاد المبعدين الألمان إريكا شتاينباك الاتحاد المسيحي الديمقراطي المحافظ بزعامة المستشارة أنغيلا ميركل العام 2017، وتقربت من حركة «البديل من أجل ألمانيا» اليمينية المتطرفة، وهي من الشخصيات خلف مشروع المتحف.
وأكدت المديرة: «لا بد من الإقرار بأن هذا المتحف لما كان أبصر النور دونها، لكن رغم ذلك لم نعد نقيم أي رابط معها». ولم يكن ابتكار مفهوم هذا المعرض الدائم عملية سلسة، بل شهدت خلافات بين الخبراء المشاركين في المشروع، وصلت بالبعض إلى حد الاستقالة. وكتبت أسبوعية «دير شبيغل» أن المعهد يأمل في «سد ثغرة أخيرة في الذاكرة الألمانية».
وسعيًا منه إلى إدراج المشروع ضمن سرد إنساني أكثر شمولية، يخصص المتحف طابقًا لتاريخ حركات النقل القسري للسكان عبر العالم والتاريخ، من إبادة الأرمن إلى الحرب في سورية مرورًا بلاجئي القوارب الفيتناميين.
تعليقات