تمثل الترجمة بشكل عام والأدبية على وجه الخصوص مسارا مهما وحيويا كنافذة تنقلنا إلى ثقافات العالم الآخر، عبر سردياته التي تعكس سلوكياته وإيقاع حياته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أيضا، وهذه الأهمية تفضي بنا للسؤال عن واقع الترجمة لدينا والتحديات التي يعايشها المترجم والمعايير والعناصر الحاكمة، والأدوات اللازم توافرها للتواصل مع لغة الآخر ونقلها إلينا، لذا كان لـ«بوابة الوسط» حوار مع القاص والمترجم عبدالسلام الغرياني وتجربته بالخصوص.
ما الشروط التي ينبغي توافرها لترجمة المادة الأدبية.. هل هي متعلقة بالتحصيل العلمي أم بالموهبة؟
في المقام الأول الملكة والموهبة، أما التحصيل العلمي فلا يفيد في هذه الحالة، لأن الترجمة رؤية وذوق وإلمام بالنص، وثقافة واطلاع وبحث من جميع النواحي كي تأتي الترجمة قرينة النص الأصلي من حيث الفكرة والمعلومة والسياق النصي.
تناولك الأعمال الأدبية هل ساقته الخبرة والممارسة، أم كان هدفا لطموح مسبق؟
أولا لم أعد نفسي كي أكون مترجما، وإنما عند إتقاني اللغة، قرأت نصوص الغير، هالني الفجوة الكبيرة بين النص العربي والأجنبي، وبعد قراءات متعددة رأيت خوض التجربة والنقل إلى العربية، من هنا جاءت الممارسة، وبعدها صار نوعا من الطموح للإسهام في حركة الترجمة إلى العربية، التي ما زالت مرتبكة وغير واضحة المعالم، وغير منظمة، وتعتمد على الأشخاص وجهودهم وأذواقهم.
مع أي الأجناس الأدبية كانت البداية.. ولماذا؟
كانت مع القصة القصيرة، ربما لأنني أكتب القصة، بدأت بها.
ما المعايير التي تقودك إلى التعامل مع هذا النص أو ذاك؟
أولا، جماليات النص نفسه، ثم الفكرة، إن كان النص فكريا، والحبكة المثيرة إن كان النص سرديا.
هل العلاقة بالكاتب كالصداقة مثلا لها دور في كسر هذه المعايير؟
إلى حد ما، وفي بعض الأحيان ضرورية عند الالتباس في جملة أو تسمية أو معلومة لها جذور يفهمها المتلقي الأجنبي ضمن تراثه، ولا يعرفها قارئ العربية، هنا ضرورة توضيح جذور المسألة، وعلى العموم الكاتب هو صديق الكاتب الآخر من خلال كتاباته.
هناك الترجمة التقنية اللغوية الصرفة، وأخرى معنية بالحقل الثقافي للكاتب والنص، في رأيك أين يسير واقع الترجمة الأدبية على ضوء هذين الخطين؟هل تقدم الأول وتراجع الثاني أم العكس أم الأمر متذبذب بينهما؟
أرى أنهما متذبذبان في السياق العام، لكن عالم اليوم يحتاج إلى لغة واضحة بعيدة عن التخشب واستعراض البلاغة والغموض القاموسي، المتلقي يريد أن يقرأ بوضوح ولا يريد التعقيد.
كتبت القصة القصيرة ونقلتها للإنجليزية والعكس.. كيف تجد فارق التجربتين، وما مكامن الصعوبة في المسارين؟
نعم كتبت القصة القصيرة وما زلت أحب هذا الجنس النبيل والصعب والممتع وأرتاح فيه أكثر من أي جنس آخر، عند ترجمتي القصة إلى العربية أكتب بشخصية الكاتب وبصوته وبنبرته وبثقافته لأقول إن جون مثلا هو جون في النص وليس أنا من كتب.
لك وقفة مع النصوص الآسيوية مثل كتاب «الأقوال» للكاتب الكازاخي إبراهيم قونانباي، كيف وجدت طبيعة هذه المحاولة، وأين وجه المغايرة والتشابه عن النص الأوروبي؟
كتاب الأقوال من أمتع النصوص التي ترجمتها، خصوصا أنه يترجم للمرة الأولى إلى العربية، وهو ذو صبغة إسلامية وقريب من ثقافتنا وسلوكياتنا في بعدها الحياتي ضمن تعاليم الإسلام، غير النص الأوروبي الذي له خصائص حضارية قلقة بواقع اليوم ومفرداته الحياتية، وأجد فيه متعة أيضا في اكتشاف دقائق الأمور لمجتمعات لها خصائص مغايرة عنا.
لا زلت تمارس العمل الصحفي وتقدم مادة مترجمة عبر الصحافة الأدبية، ألا تعتقد أن المادة الأسبوعية تؤثر على جودة النص، أم أن ما تتطلبه ظروف الترجمة غائب كليا عن صحافتنا وعن معطيات البيئة التي يعايشها الكاتب؟
نعم، العمل الصحفي مهم في نقل المقالات الأدبية والفكرية التي تنشر في الصحف الأجنبية، وجسر تواصل عما يحدث في ثقافة تلك البلدان والمجتمعات وأراها ضرورية بل واجبة لمواكبة الجديد الأدبي والفكري والفني والعلمي، كونهم ينتجون المعرفة بغزارة، واللحاق بها أشبه بالمستحيل، والترجمة الصحفية لا تؤثر على جودة النص بل بالعكس تزيد من قوته لأنك هنا تكتسب المعلومة والاطلاع، وظروف الترجمة عندنا متعثرة تماما في صحافتنا وتحتاج إلى وقفة جادة من القائمين على الشأن الثقافي من المؤسسات.
ما زالت الترجمة عملا فرديا في ليبيا وخارجها، في رأيك ما الأسباب، ولماذا لم نر حتى مجرد فكرة لمشروع على مستوى مؤسساتي؟
حركة الترجمة في ليبيا متواضعة للغاية، وفردية بحتة وعدد المترجمين يعد على الأصابع وهم متمكنون جدا ويبهرونك في نقل النص، وفي باقي الدول العربية تتفاوت من لا شيء إلى جهود مشكورة لكن للأسف لا تستمر، لأن وراء الترجمة متطلبات كثيرة يجب توافرها وهي غير متاحة للأسف، وعن مشروع مؤسسة للترجمة يحتاج إلى وقفة جادة من الدولة ورصد إمكانات كافية ضمن مشروع طويل الأمد يؤتي ثماره في زمن مناسب، وإن لم يصار إلى ذلك فإننا سنتحسر يوما ما في بخلنا «كدولة» في ضياع المتاح ثم نورده بتكاليف باهظة.
ما العمل الذي تعكف عليه الآن؟
أعكف الآن على ترجمة كتاب تاريخي يخص ليبيا، إلى جانب ترجمة المقالات الأسبوعية.
أنت مقل في كتابة القصة، هل هناك مجموعة قصصية في الطريق؟
نعم مقل في النشر رغم أنني لدي ثلاث مجموعات قصصية جاهزة، ربما الإحباط جعلني أحجم عن نشرها ثم قصة النشر في ليبيا معقدة وبطيئة وإيقاع الحياة واللحاق بلقمة العيش أتت على حساب التفرغ للكتابة.
تعليقات