Atwasat

مشروعُ سيف الأحلام!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 26 أبريل 2016, 10:35 صباحا
أحمد الفيتوري

الشيءُ بالشيء يُذكر ما يحدث ذكرني بمقهى المنتدى الإذاعي بشارع الإذاعة في بنغازي، وفي ذلك المقهى يتنادى ثُلة من فناني وإعلاميي وكتاب ومثقفي المدينة ومن محبيهم والمهتمين بالشأن العام ومن الضيوف من خارج المدينة، كنتُ من ركائز اللقاء اليومي بين الحادية عشر صباحا والرابعة مساء، وهذا اللقاء يعجُ به المكان وحول طاولاته تُطرح مشاريع فنية تلفزيونية وإذاعية ومسرحيات جديدة وأغان تلحن وكُتب تُناقش وقضايا تُثار ومقالات تُكتب، ويحمى وطيس معارك حتى يعلو الصوت ويظن أن الخصوم سيتقاتلون.

وفي يوم لم أحتسب لكن كان من ظنوني، وجدتُ نفسي وحيدا في خضم همود يضرب أطنابه في المكان، لا أحد يجيء لكن ما يحدث جلل، لقد أخرج الأخ العقيد من جبته سيف الإسلام بمشروع سياسي تناثر هنا وهناك في ألفاظ وشعارات ومشاريع إعلامية طنانة جرفت الكثيرين حتى أن المنتدى الإذاعي أمسى خاليا على عروشه، بعد أن جرف سيل سيف الأغلبية من سال لعابهم وقد أخرج الإبن الفُتات من خزائن الأب، لقد أخرج من الجُب جزرة هلوست العقول بمشروع ليس له مكانة حتى في الأحلام.

في تلكُم الفترة من عام 2005 عُقد في لندن مؤتمر للمعارضة الليبية، وفي غداء جمعني وثلة من المثقفين اعتبروا المؤتمر مجرد مجموعة نزقة لا تملك ما تفعل غير ترصيع طاولة اجتماعهم بعلم ليبيا الملكي ما أكله الدهر وشرب، في هذا الغداء كنتُ مرة ثانية أو أخرى أغردُ في واد، وكان الغرقى يمسكون بقشة بائتة في ماء البحر شعارهم: احييني اليوم واقتلني بكرة.

ولا ننسي أن مشروع سيف الأحلام قد حصل على دعم وحتى المماثلة في الإقليم كما في مصر مثلا، وأما دوليا فقد عزز بإعادة تسويق نظام القذافي من اعتبره الاتحاد الأوربي عبر بوابتي روما وباريس: عودة الإبن الضال، وأما الولايات المتحدة فقد اعتبرت بتسليم القذافي مشروعه النووي قد انتزعت أنيابه وحتى أظافره، وعليه غدا سيف يُستقبل في يُخوت تضم أبناء قادة العالم ورجال المال كوريث، وبدأ يُجري مسائل وراثته وبمكنته حتى اتخاذ القرارات اللازمة.

قبل أن يولد مشروع سيف مات، تحول عند الكافة إلى مشروع سيف الأحلام، وهو أصلا لم يتجسد إلا في صحيفتي أويا وقورينا ومحطة تلفزيونية "الليبية"، كعادة القذافي غدت هذه الصحف مديونة عاجلا والمحطة لا تملك أن تدفع أجور عامليها، وفي مشهد قذافي حقيقي دخل الأخ العقيد المبنى وأوقف البث، وجعل من" سيف الأحلام" صاحب المشروع شريدا في فنادق لندن الخمس نجوم وملاهي باريس ويخوت اليونان الفاخرة.

لقد كانت مسرحية هزلية كتبها وأخرجها الأخ العقيد بطريقته المُعتادة الكوميديا السوداء، وعشتُ كبعيرٍ أجرب معزولا مخافة العدوى، عشتُ هذه الكوميديا السوداء في المنتدى الإذاعي وفي البلاد، وحتى خارجها حيث يكون جمع ليبي وبعضه من المعارضين الذين بايعوا الإبن.

ما بعد فبراير 2011م كما أن ورثة القذافي لم يموتوا معه فإن مشروع سيف الأحلام تسربل في مسوح فبراير، ما إن تمت السيطرة على مدينة طرابلس الغرب بما فيها "المخزن" فإن الرحيل إلى المدينة صار فرض عين واتخاذها كعبة من جاء من كل فج عميق، كل من اعتبر أن له نصيبا في كعكة فبراير حج لطرابلس. وكما غزوة أُحد حيث الجميع ترك ما وراءه وما أمامه كي يغنم ويسلب كانت غزوة طرابلس ما بعد فبراير، حتى أن منطقة في حجم برقة فجاءة لم تعد لها صلة بما تبقى من الدولة أما الجنوب فقد نُسي تماما.

ظن الغانمون أن الطرق سالكة لحصاد مشروع سيف فيما كان ساعتها ورثة القذافي يستولون على ما ورث، ولأنه رجل معسكرات استولى ورثته عليها، فيما كان جماعة سيف يحلمون بتنفيذ مشروعه والاستفراد به، والمصادفة العجيبية أن يكون سيف الإسلام سجين الزنتان، وقد كانت لهياتهم ما التهوا بها تقاسم الغنيمة وفي هذا كان منصب وزير الإعلام مُعضلة أما منصب وزير الثقافة فيجب ما يجب فصله عن الإعلام، وهكذا ورث جماعة سيف الأحلام فيما كانت البلاد تذهب إلى هاوية: الحرب الأهلية.