Atwasat

بين ليلة ويوم

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 10 أبريل 2016, 12:09 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

لا أظن أن ثمة نظاما سياسيا في العالم تفاخر بقمعه لمدنيين واتخذ من هذه المناسبة ذكرى يحتفل بها ويركز عليها اهتماما إعلاميا كثيفا، مثلما فعل النظام الاستبدادي الذي أنشأه وأدار دفته معمر القذافي في ليبيا منذ 1سبتمبر 1969 وحتى 17 فبراير 2011. ألا وهي ذكرى 7 أبريل 1976 التي تم فيها الهجوم العنفي على الجامعتين الليبيتين (طرابلس وبنغازي) واعتقال بعض من طلبتها وفصل أعداد كبيرة من الدراسة والتضييق على أعداد أخرى.

لم تكن الاحتفالات بذكرى دحر غزو خارجي على غرار حادثة خليج الخنازير في كوبا 1961، ولا قمع تمردات داخلية مسلحة تنتمي إلى قوى الثورة المضادة مثلما حدث في روسيا السوفياتية بعد ثورة 1917 ضد من سموا بالبيض، ولكن كانت ضد طلبة جامعيين أرادوا أن تكون الجامعات مؤسسات تعليمية يتمتع أساتذتها وطلبتها بحرية الرأي والبحث العلمي التي تكفلها التقاليد الجامعية وبعيدة عن التدخل السياسي المباشر والفظ للنظام.

لقد اعتبرت ذكرى السابع من أبريل إنجازا للنظام يماثل في الأهمية حدث انقلاب سبتمبر ذاته واتخذت في كثير من الحالات مناسبة للإعدامات. كان شعار النظام: كل ليلة هي ليلة الفاتح وكل يوم هو السابع من أبريل. لذا ضاع مصير الشعب الليبي بين ليلة ويوم.

إنه إحياء لذكرى قمع عنيف، ليس ضد مدنيين عزل فقط، وإنما ضد طلبة جامعيين. أي ضد شباب دون العشرين من أعمارهم أو في بداية عشرينياتهم. أشخاص في ريعان الشباب، كما يقال. أي أنه عمل قمعي عنيف ضد مستقبل الوطن والشعب والدولة، باعتبار الشباب يمثلون المستقبل. إنه إهدار للثروة الثقافية والفكرية والعلمية لأن هؤلاء سيكون منهم محامون وأدباء ومفكرون وأطباء ومهندسون إلخ. لكن معمر القذافي، رأس النظام، لم يكن مهتما بالتعليم وبالازدهار الثقافي لليبيا.

صحيح أنه اهتم بنشر التعليم وتعميمه وكان وراء صدور قرار إلزامية التعليم حتى السنة التاسعة من التعليم الأساسي بعد 1969، إلا أنه كان مهتما بالانتشار الأفقي للتعليم ولم يكن مهتما بالمستوى الرأسي، أي لعمقه ونوعيته. لقد كان مهتما بتخريج أناس يلمون بالكتابة والقراءة وبعض المعارف دون أن يكون لهم وعي إيجابي معقول بقضايا الحياة والفكر وفهم، معقول أيضا، لموقعهم في العالم والزمن الذي يعيشون فيه.

أذكر أنه قال في أحد لقاءاته في الجامعة بداية السبعينيات أنه ليست لديه مشكلة في الأستاذ الجامعي، فهذا يمكن استجلابه من الخارج، ولكن المشكلة في العنصر الثوري! وهذا يذكر بالمقولة الشهيرة التي أعلنها القاضي الفرنسي الذي أصدر حكما بالإعدام على العالم الفرنسي المشهور لافوازيه بعيد الثورة الفرنسية: الثورة محتاجة إلى ثوريين، وليس إلى علماء!.

المفاخرة بالقمع والبطش بالمعارضين الذي اتبعه معمر القذافي ليس هذا نموذجها الوحيد. فللمرة الأولى في تاريخ العصر الحديث يعلن رأس نظام عزمه على مطاردة معارضيه في أصقاع الأرض كافة وتصفيتهم جسديا وتيتيم أطفالهم وسبي نسائهم. كما أنه للمرة الأولى في التاريخ تطلق النار من سفارة دولة في بلد أجنبي على معارضين سياسيين يتظاهرون أمام سفارة بلادهم.

وللمرة الأولى في التاريخ يعلن تنظيم سياسي في بلد (هو هنا اللجان الثورية الليبية) في إحدى وثائقه أن "التصفية الجسدية هي المرحلة الأخيرة في جدلية الصراع الثوري"! أي أن التصفية الجسدية هدف استراتيجي ثابت لأن "جدلية الصراع الثوري" ليس معروفا متى تنتهي وليس معروفا متى تأتي "المرحلة الأخيرة" وما هو مداها.

لقد اعتبرت ذكرى السابع من أبريل إنجازا للنظام يماثل في الأهمية حدث انقلاب سبتمبر ذاته واتخذت في كثير من الحالات مناسبة للإعدامات. كان شعار النظام: كل ليلة هي ليلة الفاتح وكل يوم هو السابع من أبريل. لذا ضاع مصير الشعب الليبي بين ليلة ويوم.