Atwasat

سيناريو دخول حكومة الوفاق إلى طرابلس

عمر الكدي الأربعاء 23 مارس 2016, 09:00 صباحا
عمر الكدي

تستعد حكومة الوفاق الوطني الدخول إلى طرابلس، وقد حظيت بدعم دولي كبير ولكن الانقسامات ازدات حدة بين الفرقاء الليبيين، فحتى الحكومة المؤقتة رفضت تسليم السلطة لحكومة الوفاق، وهدد رئيس وزرائها عبد الله الثني بمعاقبة كل من يتعاون مع حكومة الوفاق، أما رئيس حكومة الإنقاذ فهدد بإلقاء القبض على فائز السراج وأعضاء حكومته إذا دخلوا طرابلس، وبدلا من حكومتين أصبح في البلاد ثلاث حكومات، بينما لجأت هيئة الدستور إلى سلطنة عمان لتحسم النقاط الخلافية، السلطنة التي كان القذافي يطلق عليها اسم "مربط الحمير".

تحتاج حكومة الوفاق إلى قوات عسكرية وأمنية كبيرة لتأمينها وتنفيذ قراراتها على الأرض، وستعتمد على قوة الردع الخاصة بقيادة عبد الرؤوف كارة، بالإضافة إلى بعض مليشيات مصراتة التي أيدت الاتفاق السياسي، مثل كتيبة الحلبوص والمحجوب وكتائب المناطق القريبة من طرابلس، وغالبا سيكون مقر حكومة الوفاق في مكان مغلق يمكن تأمينه بسهولة، مثل قاعدة معيتيقة أو قرية النخيل بجنزور، وسيبدأ على الفور إعادة تأهيل ودمج المليشيات واستدعاء العسكريين السابقين، لتكوين جيش محترف وقوات أمنية محترفة، سيتولى تدريبها مدربون إيطاليون وبريطانيون وفرنسيون وألمان، وقد تشهد طرابلس مناوشات واشتباكات مسلحة بين القوات الموالية لحكومة الوفاق والرافضة لها، مثل الجماعة الإسلامية المقاتلة وبعض كتائب مصراتة الموالية لحكومة الإنقاذ، وعندها سيتدخل حلف الناتو أو بعض بلدانه لسحق هذه المليشيات من الجو.

ليس هذا السيناريو جديدا في التاريخ الليبي فكلما أنهارت الدولة تعود مرة أخرى من طرابلس لتبسط نفوذها على كل التراب الليبي

إذا تمكنت حكومة الوفاق من مصادرة السلاح الثقيل والمتوسط من طرابلس، ستعمم التجربة على معظم المنطقة الغربية، وسيعيد الرافضون لحكومة الوفاق في مصراته النظر في موقفهم، عندما يجدون أنفسهم أقلية بينما سيلجأ خليفة الغويل وأعضاء حكومته بالإضافة إلى أبو سهمين وعبد الحكيم بالحاج إلى تركيا، كما أن الزنتان ستعيد النظر في موقفها الرافض لحكومة الوفاق، وتطلب من ممثلها عمر الأسود الالتحاق بالحكومة، في حين سيتولى المصرف المركزي تجميد حسابات الرافضين لحكومة الوفاق في كل أنحاء ليبيا، بالإضافة إلى العقوبات الدولية التي ستشمل هذه المرة عبد الله الثني.

ستعاني الحكومة المؤقتة من أزمة مالية حادة إذا قاطعها المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط، وسيتعامل المصرف المركزي فقط مع المجالس البلدية، وستنعكس الأزمة المالية على الجيش الذي يقوده حفتر، خاصة إذا توقف الدعم المالي والعسكري الآتي من الإمارات بضغط دولي، وسيلعب آمر حرس المنشآت النفطية بالمنطقة الوسطى إبراهيم الجضران دورا مهما، ويرجح أن يؤيد حكومة الوفاق رافضا الإذعان لحفتر، خاصة إذا اتفق مع كتائب مصراته على تحرير سرت من تنظيم داعش بدعم دولي كبير.

من غير المرجح أن ينتقل حفتر لمزاولة عمله كقائد عام للجيش من طرابلس، وسيبقى في حصنه الحصين بالمرج، وعندها ستضطر حكومة الوفاق إلى تفعيل المادة الثامنة من الاتفاق السياسي بعد التشاور مع لجنة الحوار، وستنقل كل صلاحيات المناصب السيادية العليا المدنية والعسكرية والأمنية إليها، وستعين رئيسا جديدا لهيئة الأركان باعتباره أعلى منصب في الجيش الليبي، وهو ما سيحدث مع بقية المناصب السيادية العليا، وستستغرق مرحلة المصالحة الوطنية بعض الوقت لإعادة توحيد البلاد بعيدا عن كل الشخصيات الجدلية، وسيقبل الليبيون بسهولة المصالحة مع مؤيدي القذافي، بعد أن جربوا التيارات الأخرى الأكثر تطرفا، في حين سيتولى القضاء الحكم في جميع القضايا التي لا تزال معلقة، سواء كانت في عهد القذافي أو بعد سقوط نظامه، وسيفرج عن مسؤولي النظام السابق الذين لم يثبت تورطهم في جرائم قتل أو اغتصاب أو فساد مالي.

ليس هذا السيناريو جديدا في التاريخ الليبي، فكلما أنهارت الدولة تعود مرة أخرى من طرابلس لتبسط نفوذها على كل التراب الليبي، ولم يحدث أن بدأت الدولة في أي مكان آخر لتصل أخيرا إلى طرابلس، وأكبر دليل هو الحكومة المؤقتة ومجلس النواب، فطوال وجودها في الشرق لم تستطع بسط نفوذها لا في الغرب ولا في الجنوب، بل تحولت مع مرور الوقت إلى مجرد أسيرة بيد الجهويين والقبليين.

ستمر البلاد بأزمة مالية حادة لبعض الوقت قبل أن تستأنف تصدير النفط مثلما كان عليه قبل 2011، وإذا رفع مجلس الأمن الحظر على الأموال الليبية بالخارج، فستخرج البلد تدريجيا من هذه الأزمة، ولكن ذلك يحتاج إلى قنوات دبلوماسية نشطة مع روسيا والصين اللذين قد يعرقلان رفع الحظر في مجلس الأمن، كما سيرفع حظر تسليح الجيش الليبي مما يمكنه من السيطرة تدريجيا على كل التراب الليبي، وهو ما يعني أن البلاد ستستمر منقسمة بعض الوقت، إلى أن تتمكن حكومة الوفاق من إجراء انتخابات تشريعية جديدة، تمكن مجلس النواب الجديد من العمل من بنغازي، وعندها سينتقل المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط إلى بنغازي أيضا.