Atwasat

ركن العامرية.. حينها لا تثريب علينا

فدوى بن عامر الإثنين 14 مارس 2016, 09:26 صباحا
فدوى بن عامر

تورّد خدي من حمّى سكنت صفحات الفيسبوك بشكل صاخب احتفالاً باليوم العالمي للمرأة. وقد يهشُ القلب و يبشُّ الخاطر لذلك شريطة ألا يكون مجرد حقن (بوتيكس) لواقع مثخن بالأخاديد لتكون النتيجة بشاعة لا ملاحة.

تاريخياً كان اليوم العالمي للمرأة نتاج كفاح المرأة الغربية للمطالبة بحق التصويت وتحسين ظروف العمل وغيرهما. و أثمر كفاحها بسن كثير من القوانين العادلة وتنفيذها، و لذا تحتفل بيومها ولا تثريب. أما بالنسبة لنا فالأمر لازال من الوهم. وهنا يبرز سؤالي للمتحمسين بالاحتفال بيوم المرأة، ماذا يعني ذلك؟. و بماذا نحتفل ولماذا؟.

أقول.. نحتفل ولا تثريب إن كانت المرأة مستقلة ومتحررة وإنسانا في بلادي.. أكاد أرى رفع الحاجب عجباً أو ربما استهزاءً أو استنكاراً. نعم أقول كل عام والمرأة الليبية مستقلة ومتحررة. ولكن مستقلة عن ماذا ومتحررة ممن؟. أمستقلة عن الرجل مثلاً. أمتحررة من عقلها أم ثيابها كما أشارت الأديبة غادة السمان في مقالتها في ستينيات القرن الماضي!.

وعندما نبدأ بتحقيق شيء من العدل على الأرض حينها نحتفل باليوم العالمي للمرأة ولا تثريب علينا

هي المستقلة فكرياً واقتصادياً عن تبعية الرجل لا عنه، فالحياة تنقص بدونه، ومكانته عندها تكون بحريته اللاوهمية وتحرره وبقوة فكره وعمق وعيه لا بجنسه أو جيبه كما تسّوق لذلك التقاليد والموروثات. هي الراشدة والرشيدة، صاحبة الرأي والعزيمة، ذات الشخصية النديّة، الذكية الواثقة العابقة بالحب. هي المتعلمة العاملة والمتفاعلة الفاعلة في المجتمع لا المفعول به. هي المخطئة مرة والمصيبة مرات، بلا ادعاء كمال أو مثالية مستفزة. هي إذاً المستقلة بعقلها المستقيلة من تقمص صفات وثقافة الذكورة، المتقنة لفن الأنوثة بعفوية ذاتها الأنثوية الرفيعة.

هي المتحررة الرافضة لما هو خارج حدود المنطق كقوانين الأحوال الشخصية المجحفة المسببة اكتظاظ المحاكم بالنساء المظلومات أو ربما كان الخنوع لحياة لا ترقى لتطلعاتهن لكنها تفي بشروط اجتماعية قاتمة هو خيارهن الآخر. هي الصادحة بإلانسانية الكاملة في مجتمع باتت إنسانية الإنسان مشكوكا فيها للغاية. وهي الجادة دون تكلّف أو استرجال حد صعوبة تمييزها عن الرجل ولا هي بالمبهرجة حد الزركشة الرديئة. ولا ننفي رغبة المرأة الفطرية في التزين والتفرد والجمال، فنحن من محبي ذلك وكذا الأناقة والموضة، ولكن الخارقة ألا يكون لديها شيء يستحق التأمل أكثر من وجه ملأته الأصباغ أو شوهته مشارط التجميل في محاولة خائبة (لنانسيته أو هيفاءته).

إنها المتحررة من فكرة عدم صلاحها إلا للتزين والطاعة والإنجاب والطبخ. المدركة أن عوامل تخلفنا لا حصر لها بدءا بمعايير(الرجولة) الواهية والوهمية والمشوهة وليس انتهاء بالتربية التقليدية والتعليم التلقيني وبعض العادات السقيمة والمفاهيم المقلوبة.

ولذا فعندما تتخلى المرأة الليبية عن السلبية السالبة لمسئوليتها عن تغيير واقعها، وتتذكر ما بذلته الأمهات والجدات في سبيل ذلك والذي ما كان ليخبو لولا الانتكاسة صوب الأفكار الرجعية الوافدة، وعندما تقرر التأثير عبر تربيتها لأبنائها طالما عجزت عن تغيير حياتها، فتربي الولد على أنه إنسان حر مسئول لا مقدس و أن البنت إنسان حر كامل الأهلية، وعندما تتصدّى لقوى المجتمع الضارية والضاربة وتقاوم أمواجه العاتية والمتتالية من التخلف والقهر والشلل الذهني، حينها نحتفل ولا تثريب علينا.

نعلم مدى صعوبة تحقيق ما ندعو إليه دون مساندة الرجالات الحقيقيين. لذا فالمستقلة، بالمعنى الراقي للكلمة، هي المتحالفة مع الرجل، فالعلاقة بينهما لا تقوم على العداء أو الاستعلاء وإنما تكون علاقة إنسانية ندّية فغرضنا ليس استبدال مجتمع ذكوري بآخر أنثوي وإلا لكان تفكيرنا، نحن أيضاً، ذكورياً خالصاً. إنما نطمع بمجتمع متوازن قائم على العدل بين بني الإنسان.

فلا نحن نبتغي السلوك الرجولي فنفقد مكامن قوتنا بفقد مواطن أنوثتنا التي هي مدعاة فخرنا، ولا نريد من رفقائنا الرجال انتهاج المسلك الأنثوي فتختفي بذلك خصوصيات الشخصية الرجولية التي نحب أن تكون لهم وحدهم.

وعندما نبدأ بتحقيق شيء من العدل على الأرض، حينها نحتفل باليوم العالمي للمرأة ولا تثريب علينا.