Atwasat

شبح التقسيم

نور الدين السيد الثلثي الأحد 13 مارس 2016, 10:37 صباحا
نور الدين السيد الثلثي

أطراف الصراع الدائر في ليبيا منها الديني ومنها المدني والعسكري والثوري والليبرالي والإرهابي صراحةً أو مواربة. وهناك قبائلُ وشرقٌ وغربٌ وجنوب، وتحالفاتٌ طبيعية وأخرى تحمل في طياتها بذور انشقاقها، ولكلٍّ أبطاله وحلفاؤه وداعموه.

في خضمّ هذا الصراع، وفي ظل انتشار السلاح وانهيار الدولة والعصبية والفساد وروح المغَالبة، تولَّد أو تعمّق أكثرُ من خطِّ صدعٍ يهدّد بانقسام البلاد وبحروبٍ أهلية منفلتةٍ ومتشكّلةٍ على مدىً من الزمن يصعب التنبؤ به.

خطّ الصدع الأخطرُ الماثلُ للعيان هو خطُّ الانقسام بين مكوّنات ليبيا التاريخية الثلاثة والتشظي إلى ما هو أبعد. قد يختار البعض منا عدم الالتفات إلى الخطر وكأن في إنكاره إبعادا لشبح حلوله بلحمه ودمه وعظمه.

ولكن أطرافاً أخرى اختارت- عن وعيٍ أو غيرِ وعي- العمل على إحداث الصدع وتقسيم البلاد بفعل تصرفاتٍ بعيدةٍ عن الحكمة والحسِّ الوطني الصِّرف، مستعينةً بتأويلاتٍ من الدين لها ما يعارضُها من الدين نفسه وإلى استنساخاتٍ من التاريخ لا تستقيم مع الحاضر.

خطّ الصدع الأخطرُ الماثلُ للعيان هو خطُّ الانقسام بين مكوّنات ليبيا التاريخية الثلاثة والتشظي إلى ما هو أبعد.

الحرب الدائرة في الشرق الليبي، سواءً نظرنا إليها كحربٍ بين ’جيشٍ وطنيٍّ’ و’جماعاتٍ إرهابية’، أو كحربٍ بين ’ثورة فبراير’ و’ثورةٍ مضادة’ (من دون التفات في هذا السياق إلى التأجيج المؤسَّس على تصنيفات دينية أو تاريخية) توشك أن تضع أوزارها بانتصار ’الجيش/الثورة المضادة’ على ’الإرهاب/ثورة فيراير’.

ولن يغيّر التوصيف شيئاً من حقيقة أن الغالبية العظمى من الناس في الشرق سعداء بقرب ختامها هذا، ما يعني رحيل سنواتٍ دامية عانى الشرق خلالها الأمرّين من اغتيالاتٍ طالت أحبّاءَ وأعلاماً من رجالهم ونسائهم، وترهيبٍ غريبٍ عن مجتمعنا في فكره وسلوكه؛ ققد بدأت الحياة تعود إلى ذلك الجسد الجريح؛ بمدارسها ومقاهيها وضجيج شوارعها وأسواقها، بل ومسرحها ومنتدياتها.

نضال بنغازي من أجل إقامة الدولة ودحر الجريمة والتحرّر من الخوف لم يبدأ مع هذه الحرب، بل أزعم أن ما شهدته المدينة ليس غير امتدادٍ لجمعة إنقاذها في سبتمبر 2012؛ وقد نشأت، بفعل ما وقع خلال تلك السنوات من الفواجع وخيبات الأمل وانكشاف الغطاء عن الكثير، مفاهيمُ وقناعاتٌ ومواقفُ واصطفافاتٌ مغايرةٌ لما كان سائداً قبلها. لذلك يتعين من أجل الوصول إلى قلوب وعقول أهلها أن يتغيّر الخطاب ومفرداته القديمة.

لقد دفع أهل بنغازي ثمناً باهظاً تمثل في دمارٍ مادّيٍّ عظيم- وهو الأخف أثراً بكثير من غيره من الأثمان- وفي الأنفسِ الزكية التي ستظلّ صورتها محفورةً في الذاكرة على مدى الزمن، والشرخِ الذي لحق بالبنية المجتمعية فيها.

كلّ عملٍ من شأنه إطالة الحرب في الشرق، تحت أي تخريجٍ ديني أو دنيوي، سيراه غالبية أهل الشرق معادياً لهم موجّهاً ضدّ أمنهم واستقرارهم؛ وسيصبّ في اتجاه إطالة عمر آلة القتل والدمار.

ينبغي أن ننظر إلى ما جرى ويجري في الشرق من زاوية تسلسل الأحداث الجسام التي مرت بها وتوْقِ عموم الناس فيه، وفي كلّ أنحاء ليبيا، إلى حياةٍ يسودها السلم والأمان، ينصرفون في ظلّها إلى دورهم في بناء دولة القانون والمؤسسات والحريات؛ الهدفِ المنسيّ لثورة فبراير.

كلّ عملٍ من شأنه إطالة الحرب في الشرق، تحت أي تخريجٍ ديني أو دنيوي، سيراه غالبية أهل الشرق معادياً لهم موجّهاً ضدّ أمنهم واستقرارهم؛ وسيصبّ في اتجاه إطالة عمر آلة القتل والدمار. وإذا ما وجدت أصواتُ التحريض استجابةً حقيقيةً من جماعاتٍ مسلّحةٍ في غرب البلاد تتوجه للقتال في شرقها فإن ذلك سيُحدث الصّدع المقسِّم لا محالة. مثل تلك المواجهة لن تكون بين مجاهدين وبُغاة؛ بين جُند الله وشياطين الإنس. تلك ستكون حربَ تقسيمٍ بين شرقٍ وغرب، نتيجتُها ضياع الوطن وخسارة الجميع.

لنبعُد عمّا من شأنه أن يدفع بجناحٍ من جناحيْ الوطن لمقاتلة الآخر تحت أيّ شعارٍ أو مسمّى. لنبرأ من المشاركة في تفتيت الوطن تحت كلّ الدعاوى، أثابكم الله.

«واتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الذينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خاصّة.» صدق الله العظيم.