Atwasat

العصا دون جزرة

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 21 فبراير 2016, 10:42 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

موقف النظام الشمولي الذي تكون في ليبيا بعد انقلاب سنة 1969 ، الذي أوصل معمر القذافي إلى السلطة، من العمل النقابي موقف مزدوج. فمن جهة هو، كأي نظام شمولي، ضد إتاحة حرية العمل النقابي. ومن جهة أخرى، كان محتاجا إلى وجود النقابات لتأطير فئات وشرائح المجتمع المختلفة في مؤسسات نقابية يكون زمامها في يده، إضافة إلى أهمية إضفاء بعض الملامح العصرية على وجه الدولة.

ونظرا إلى هشاشة الوضع النقابي في ليبيا تاريخيا، والطابع الشعبوي الغوغائي الذي تبناه النظام، وقوة مؤسساته الأمنية، تمكن من السيطرة على الغالبية العظمى من هذه النقابات وتحويل عملها من عمل نقابي يتمثل أساسا، في حماية المصالح المهنية لمنتسبي النقابة والدفاع عن حقوقهم وتنقية المهنة من الفساد، إلى عمل تعبوي وتخويفي وأمني.

إلا أن نقابتين، من بين كل هذه النقابات، هما نقابة المحامين ورابطة الأدباء والكتاب، تمكنتا من المقاومة والحفاظ على قدر ملحوظ من الاستقلالية ظَلَّ، دوما، يشكل نقطة إزعاج للنظام وظل هذا الأخير يحاول، بطرق شتى، القضاء على هذا القدر من الاستقلالية قضاء مبرما.

وجه الإزعاج يتمثل، على وجه الخصوص، في علاقة هاتين النقابتين بمسألة الحريات العامة، وحقوق الإنسان، وحرية الفكر والرأي. فالمجال العام لهاتين النقابتين مشترك وإن اختلفت طبيعة عملهما. ذلك أن نقابة المحامين تركز على الجوانب القانونية من وجهة نظر حقوقية (أي اتساق القوانين مع المباديء المقرَّرة لحقوق الإنسان) والوقوف ضد الانتهاكات في هذا المجال، وتركز رابطة الأدباء والكتاب على حرية الفكر وحرية الرأي واستقلالية الأديب والكاتب.

ولعل وضع رابطة الأدباء والكتاب كان أفضل، نسبيا، من وضع نقابة المحامين، من حيث التعرض للضغوط. لأن نشاط الأولى لا يتعلق بمهنة تمثل مصدر عيش يمكن للنظام أن يتحكم فيها ويضغط بها ويساوم عليها.

فالأدباء والكتاب يمارسون وظائف أخرى لا علاقة لها، غالبا، بهذا النشاط، على خلاف مجال المحاماة المتعلق بمهنة يمكن محاربة المحامين من خلال التلاعب بها. على سبيل المثال: حين قاطع جمهور الأدباء والكتاب الرابطة غير الشرعية منذ منتصف 2004 تقريبا، وبذلك أماتوها، لم يكن بوسع النظام إجبارهم على العودة. على حين كانت هذه العملية ممكنة في حالة مقاطعة المحامين للنقابة من خلال إلزام ممارسي مهنة المحاماة بعضوية النقابة.

لقد بذلت أعداد كبيرة من المحامين والأدباء والكتاب جهودا ملحوظة في محاولة البقاء خارج قبضة النظام العاصرة ونجحت في ذلك بشكل ملحوظ. وما احتلال رابطة الأدباء والكتاب من قبل النظام سنة 2004 إلا دليلا على هذا النجاح وعلى يأس النظام من عملية التطويع.