Atwasat

ليبيا تخرج بصعوبة من عنق الزجاجة

عمر الكدي الخميس 04 فبراير 2016, 09:48 صباحا
عمر الكدي

لم تجد كتلة الـ92 بمجلس النواب مفرا من الموافقة على إلغاء المادة الثامنة من الاتفاق السياسي، مقابل موافقة المجلس على الاتفاق السياسي، وهي تدرك أن الاتفاق السياسي لا يمكن تعديله، إما أن يقبل كاملا أو أن يرفض كاملا، والخلاف حول المادة الثامنة هو ما جعل ليبيا تبقى محشورة في عنق الزجاجة، ومثلما صمم قانون العزل السياسي على قامة محمود جبريل، صممت المادة الثامنة على قامة خليفة حفتر الذي يؤيده البعض بقوة ويرفض البعض بشدة، ولا يوجد في الأفق حل توافقي فحفتر لا يبدو أنه سيضع في الاعتبار المصلحة العليا للبلاد وينسحب بكرامة من المشهد، والتمسك بحفتر يعني انهيار الاتفاق السياسي الذي سيؤدي حتما إلى تقسيم ليبيا.

قد تضحي الزنتان وغريان وغيرهما في المنطقة الغربية بحفتر ولكن برقة لن تضحي به، ويبدو أن برقة تعاني من أزمة قيادة بعد أن همش القذافي طوال أكثر من أربعين عاما قادتها القبليين والمدينيين، فجاء حفتر لتصطف خلفه قبائل السعادي والمرابطين خاصة في برقة الحمراء، بينما نبذته برقة البيضاء والحضور، وهو ما يؤكد أنه في حالة انفصال برقة فهي لن تنجو من عواقب هذا الانفصال، فالمعركة قادمة حتما بين حفتر والجضران وسيكون وقودها الحضور والبدو في بنغازي واجدابيا.

الحل المؤقت هو تعيين حفتر وزيرا للدفاع في حكومة الوفاق

إذا انفصلت برقة ستكون تحت النفوذ البريطاني بينما ستكون طرابلس تحت النفوذ الإيطالي، في حين سيعود الفرنسيون إلى فزان، وهكذا ستبعث معاهدة بيفن سفورزا لتقسيم ليبيا من لحدها، بعد أن تمكن الليبيون من دفنها أواخر الأربعينات من القرن الماضي، وهو أمر محزن حتى للآباء الذين ناضلوا من أجل أن تستقل ليبيا موحدة، وبالرغم من تشظي المؤتمر الوطني إلى عدة كتل أغلبها يدعم الاتفاق السياسي، بشرط عدم المساس بالمادة الثامنة، إلا أن هناك كتلة بقيادة أبو سهمين والجماعة المقاتلة ترفض الاتفاق، وهي مجموعة غير مؤثرة إذا حدث توافق بين الكتلة المؤيدة للاتفاق وحفتر، ويبدو أنه لا مفر من عقد مؤتمر يشبه مؤتمر اللوياجركا الأفغاني، يجتمع فيه كافة ممثلي قبائل ليبيا بالإضافة إلى رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، ورئاسة مجلس النواب ورؤوساء الكتل المؤيدة للاتفاق السياسي في المؤتمر الوطني، والقيادة العامة للجيش وكبار الضباط، ويمكن من خلال هذا المؤتمر الخروج بتوافق يؤيده المجتمع الدولي، وإلا فإن ليبيا ستبقى طويلا في عنق الزجاجة كما تنبأ برناردينو ليون بذلك.

الأمر الإيجابي الذي شهده الأسبوع الماضي هو الاجتماع الذي دعا إليه المجلس العسكري بمصراته، والذي ضم معظم كتائب الثوار بالمدينة، الذين قرروا توحيد صفوفهم وتأييد الاتفاق السياسي بشرط إبعاد الشخصيات الجدلية في إشارة لحفتر، ولكن الشخصيات الجدلية يمكن أن تشمل شخصيات مثل عبد الرحمن السويحلي وصلاح بادي وإبراهيم الجضران والصادق الغرياني، وتوحيد كتائب مصراته يعني نهاية المؤتمر الوطني وفجر ليبيا، وبداية مكافحة الإرهاب الذي يزحف باتجاه مصراته.

انتهت فجر ليبيا فمتى تنهي عملية الكرامة التي تحولت إلى "حتف"؟، فعملية فجر ليبيا انطلقت من تحالف غير متجانس، تقوده قيادات لا أهداف واضحة لها ويباركها المفتي والمتشددون في المؤتمر الوطني، بينما انطلقت عملية الكرامة بقيادة واحدة التف حولها عدد من ضباط الجيش، بعضهم تولى مناصب عسكرية مرموقة في عهد القذافي ومثل هذه العملية لن تتشظى بسهولة، ليتم إعادة بناء الجيش على أسس مهنية، خاصة وأن دول الجوار تؤثر بشدة في المشهد الليبي، فزيارة السراج إلى حفتر لم تتم برغبته وإنما بضغط من دولة جارة، في حين تمسك الجزائر بمفاتيح بعض المتشددين في ليبيا وفي مقدمتهم قادة الجماعة الإسلامية المقاتلة، بينما تؤثر حركة النهضة التونسية في جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى التأثير الإماراتي والقطري وهو ما سيجعل ليبيا محشورة في عنق الزجاجة لزمن طويل، ما لم يراهن الليبيون على مصلحتهم الوطنية العليا، ويبعدوا الشخصيات الجدلية مثل ذئب يقطع إحدى قوائمه ليتخلص من الفخ الذي وقع فيه، وقد يكون الحل المؤقت هو تعيين حفتر وزيرا للدفاع في حكومة الوفاق، لتخرج هذه الشخصية الجدلية من المشهد السياسي والعسكري مع نهاية الحكومة.