Atwasat

دعوها تمر: حكومة التوافق

البدري محمد الشريف الخميس 21 يناير 2016, 10:37 صباحا
البدري محمد الشريف

لاشك أننا فى ليبيا نعانى من مشكلة كبيرة يصعب توصيفها, فقد فاقت فى حجمها كل وصف. بلد انهارت مؤسساته بالكامل جميعها دون استتناء, و ضربت بنيته التحتية وأهدرت ثرواته ودمرت أغلب منشآته وممتلكاته العامة والخاصة.

بلد للأسف أصبح على وشك السقوط المريع لينكسر إلى أشلاء عدة فلا سلطة مركزية تحكمه وتكاد أن تختفي حتى هويته الوطنية فى عباءة الهويات القبلية والجهوية.

بلد خسر أهم ثروة لديه وهي شبابه الذين بدلا من أن يكونوا أدوات بناء و يتجهوا للتعليم والعمل, تحولوا إلى ضحايا يحملون السلاح ويعيشون نذر الموت في كل لحظة, أو إلى مجرمين يرتكبون أفظع الجرائم من قتل وخطف وسرقة.

عندما بدأ الحوار السياسي برعاية الأمم المتحدة رحب المواطنون البسطاء بهذا الحوار و رأوا فيه بارقة أمل لإعادة الأمن والاستقرار. لم تكن المسيرة سهلة فقد كانت المسافات بعيدة جدا بين أطراف الصراع حتى أن الليبين أصحاب الشأن والمناط بهم إجراء الحوار لم يجتمعوا وجها لوجه فى لقاءاتهم الماراثونية.

بذلت جهود كبيرة ومن أطراف عدة لجمع شمل هؤلاء والعمل للوصول إلى اتفاق ينهي حالة الحرب المستعرة التي أهلكت الليبين وأرهقتهم. و بعد أكثر من عام جاءت بارقة الأمل ووصلنا إلى اتفاق ينهي حالة الانقسام ويؤسس لإعادة بناء الدولة وتوحيد مؤسساتها وإنهاء حالة الفوضى والانقسام.

ولقد تم تشكيل المجلس الرئاسي وباشر أعماله في تونس من أجل تشكيل حكومة التوافق وتهيئة الظروف لانتقالها إلى مدينة طرابلس ولا شك فإن المهمة صعبة جدا فى أجواء الاحتقان وانعدام الثقة وغياب الأحزاب السياسية الفاعلة، الأمر الذي فتح المجال للجهوية والمناطقية لتتتصدر عملية المحاصصة في هذه الحكومة.

ولكن رغم كل ذلك علينا العمل وبكل قوة لدعم حكومة التوافق والعمل على إنجاحها, لأن البديل لذلك سيكون كارثيا على ليبيا وستكون رهينة للإرهاب.

لا نريد أن تفرش لحكومة التوافق الورود ولا نريد أن نعبد لها الطريق ولكن ما نريده هو أن تزال الأشواك من سبيلها

كل يوم يمر دون وجود حكومة مركزية تأخد بزمام الأمور وتعبر بليبيا إلى بر الأمان سيكون خسارة كبيرة, لأن الإرهاب مثمثلا بشكل خاص فى تنظيم داعش قد زادت سطوته وقويت شوكته وسيطر بالفعل على بعض المدن والمناطق.

إن لم يتوحد الليبيون لإنقاذ بلادهم الآن وليس غدا فستغرق فى بحر من الدماء و سيسيطر الإرهاب على ليبيا, فحالة اليأس والشعور بالإحباط لدى بعض الفئات ستكون أكبر حاضن لهذه التنظيمات الإرهابية، والتجارب أمامنا واضحة للعيان وأولها العراق.

لا شك أنه لكل شيء إذا ما تم نقصان, والحكومة لن تكون حكومة كما نأملها, ولكن علينا القبول بما هو ممكن وتطوير عمل الحكومة فى قادم الأيام, فلا يمكن حل الأمور دفعة واحدة. كثير من الانتقاد يوجه إلى مجلس الرئاسة وقراراته وطريقة تشكيل الحكومة، ولا بأس من أن تكون هناك عين تراقب وتنبه إلى مكامن الزلل وتطرح المقترحات. و لكن دون عرقلة تشكيل الحكومة أو العمل على إحباطها وإفشالها.

تعدد الآراء أمر مطلوب والاختلاف في وجهات النظر إثراء لعملية بناء الدولة، ولكن علينا تأسيس سلطة حتى نستطيع انتقادها و تطويرها. من المهم أيضا أن نقيم الأمور بميزان مختلف، فالقرارات لا يجب أن تعبر عن رغباتنا وأفكارنا المسبقة عن الأفراد والتنظيمات المنخرطة في العملية السياسية، فأساس الاتفاق هو العبور نحو التعامل مع المختلف معه و ليس التمترس عند الماضي.

علينا أن نقيم الأمور من منظور الأهداف التي نريد تحقيقها وليس بافتراضات قد تكون خاطئة وعلينا التعامل مع كافة الأطراف التي دخلت فى العملية السياسية دون إقصاء لأي منها إن أردنا النجاح لهذه الحكومة في مشروعها، وهو الهدف الأسمى، من أجل إعادة الاستقرار و بناء المؤسسات وتوفير الأمن والمحافظة قبل كل شيء على دولة اسمها ليبيا.

وجهت كثير من الانتقادات والاحتجاجات على تشكيل اللجنة الأمنية التي ستتولى العمل على تهيئة الظروف لانتقال الحكومة إلى مدينة طرابلس مع أن هذه اللجنة هي مؤقتة تنتهي مهمتها بالقيام بمهمتها, و ذلك بحجة أن بعض أعضائها هم من قادة فجر ليبيا وهم بالمناسبة ضباط مهنيون وذوو رتب عالية.

وبغض النظر عن الأسماء، فلنطرح السؤال: من الذي تكون له القدرة على توفير الأمن فى مدينة بها العديد من التنظيمات المسلحة وغير المنضبطة؟ أليس من الأجدى أن يقوم بهذه المهمة من يعرف المدينة ووضعها الأمني ومن يملك إلى جانب المهنية العسكرية قنوات الاتصال والتأثير على هذه الجماعات المسلحة المتمكنة من المدينة؟ أليس المهم هو التركيز على من يملك القدرة على القيام بهذه المهمة؟ علينا أن ننطلق بعد الاتفاق من معطيات جديدة إن أردنا العبور لبر الأمان وأن نتعامل مع كل من يدخل في العملية السياسية ومشروع إعادة بناء الدولة ولانقصي من هؤلاء الضباط العسكريين سواء أولئك المنتمين لفجر ليبيا أو للكرامة، فليبيا واستقرارها هو الهدف.

فلنعمل على دعم حكومة التوافق ونهيءْ لها سبل الانتقال إلى طرابلس وبعدها نناقش كل الأمور لتطوير عمل الحكومة وتصحيح الأخطاء وطرح كل الرؤى التي تساعد على بناء مؤسسات الدولة و إعادة هيبتها.

لا نريد أن تفرش لحكومة التوافق الورود, ولا نريد أن نعبد لها الطريق, ولكن ما نريده هو أن تزال الأشواك من سبيلها فلعل.... لعل الله يأتينا من لدنه رحمة و يهيء لنا من أمرنا رشدا.