Atwasat

الأموال المنهوبة

د. مها المطردي الأحد 10 يناير 2016, 03:55 مساء
د. مها المطردي

(نيكولاس شاكسون) كاتب وصحفي ومحقق بريطاني من مواليد 1966، صدر له بتاريخ 13/5/2008م كتابه الأول:(Poisoned Well) وتعني (الآبار المسمومة) ويقصد آبار النفط، ونعتها بالسم لأنها تتناول كما فسر العنوان سياسة النفط الأفريقي القذرة ولا أعتقد أنه ترجم إلى اللغة العربية. وبتاريخ 4/9/ 2012م صدر له كتاب: جزر الكنوز (Treasure Islands)، وفسر عنوانه أنها جنات بنوك المصطلح على تسميتها Offshore وهي التي وصفها جنات هروب الرجال الذين سرقوا العالم من الضرائب. قامت الدكتورة فاطمة نصر بترجمة الكتاب بعنوان «مافيا إخفاء الأموال المنهوبة» ثم أعادت طباعته مكتبة الأسرة المصرية وجعلته في متناول الجميع- 6 جنيهات- فيما تباع نسخته الإنجليزية بحوالي 15 دولار ولا أعرف بكم بيعت طبعته الأولى التي أصدرتها دار سطور الجديدة المصرية سنة 2011م.

يستهل الكاتب مشروعه برؤية رواية مشوقة، ليصل بنا إلى الجابون التي استقلت سنة 1960م، ولما اكتشفت فرنسا أنها بلد نفطي واعد بحثت عن رئيس يناسب تطلعاتها فيها يكون أفريقيا ذا شخصية (كاريزما) وقويا، ماكرا ومواليا تماما لفرنسا، فوجدت عمر بانجو فصار سنة 1967 وهو في الثانية والثلاثين من العمر أصغر رئيس جمهورية في العالم- وربطت قصوره عبر أنفاق تحت الأرض بقواعد عسكرية تضم مئات من جنودها.

وهكذا كما يقول الكاتب: «رحل الفرنسيون من الباب الأمامي وتسللوا عائدين من نافدة جانبية».

وضح الكاتب في مقدمته كيف استقبل وكيف عومل في محاولة لاستقطابه تماما بدءا من ذلك الذي اتصل به قبيل سفره وأفهمه أنه سيعينه في مهمته في الجابون وكيف أنه وجده أمامه وكيف سهل له مهمته. ولكن الكاتب اكتشف سرية الملاذات الضريبية الآمنة المتمثلة في بنوك (الأوفشور) المنتشرة في عدد من الدول الصغيرة المستقلة شكلا ولكنها تحت رعاية سرية لصيقة بدول كبرى سخرت لها الخبرات القانونية والقضائية التي لا تحرم الدول من خيراتها بل تتسبب في اختلال الموازين الاقتصادية في العالم كله. ولا يختلف هذا النظام عما وضحه الكاتب الأمريكي جون بيكر في كتابه اعترافات قرصان اقتصادي والذي أعادت نشرة مكتبة الأسرة هو الآخر.

يقول الكاتب: بعيني شاهدت أطفالا في أنجولا يموتون أمام عيني بسبب الفقر الذي تتسبب فيه نخب مختلسة فتتحمل الشعوب الديون العامة والحروب والعنف والجوع الذي تمارسه النخب الفاسدة، وهو ما دعا رايموند بيكر مدير منظمة النزاهة العالمية إلى القول أن ذلك كله بسبب نظام الأوف شور المصرفي الذي يصفه أنه الأكثر قبحا في الشئون الاقتصادية العالمية منذ تجارة العبيد. فبحسب دراسة أجرتها جامعة (ماساتشوستس) طوال السنوات من سنة 1970م إلى 2004 م فقد رُصدت أموال من أربعين بلدا أفريقيا 420 مليار دولار لتبلغ بأرباحها التراكمية سنة 2004م حوالي 607 مليار دولار أمريكي، وهذه القيمة تملكها شريحة بسيطة من تلك الدول فيما تتحمل الشعوب المغلوبة على أمرها الديون العامة الخارجية.

كل ذلك بسبب نظام الأوفشور المصرفي الذي يحافظ على سرية المُودعين ويعفيهم من الضرائب. وقد اُبتكرت هذه المصارف من بعد الحرب العالمية الأولى بعدما زادت الحكومات الضرائب لتغطية ما أُنفق في الحرب فسنّت سويسرا سنة 1934م قانونا جديدا يضمن سرية الحسابات وجعل انتهاكها جريمة جنائية يعاقب عليها القانون.

وكانت الملاذات الأوروبية قد بدأت عملها الجدى أثناء الحرب العالمية الأولى، حينما قامت الحكومات بزيادة الضرائب بنسب كبيرة لتغطية نفقات الحرب فتم سن قانون السرية السويسري الشهير الذى جعل انتهاك السرية المصرفية جريمة جنائية للمرة الأولى فى عام 1934.

الكتاب شائق بمعلوماته والحقائق التي يوردها، ولا ينبغي أن نستهين بما يتناوله، بل الواجب أن نعرف ما حدث، لأننا صرنا جزءا لا يتجزأ من هذه الدول المنهوبة.