Atwasat

التوافق

د. مها المطردي الأحد 03 يناير 2016, 03:21 مساء
د. مها المطردي

يَكثر علماء النفس في الولايات المتحدة الأمريكية، ولعل النسبة الأكبر منهم أولئك الذين تخصصوا في الشئون العائلية مفضلين أن يتسموا بمستشاري العلاقات الزوجية، لإبعاد شبهة عدم الاستقرار النفسي عن زبائنهم. تتركز مهمتهم في الاستماع إلى مشاكل الزوجين ومناقشتها ومحاولة إيجاد الحلول لها، فهم على نحو ما كأولئك الليبيين الخيرين الذين يسعون للتوفيق بين رأسين في الحلال، أو للتوسط إذ ما نشب خلاف بينهما.

ولقد تحدّث كثير من المستشارين عن تجربتهم في هذا المجال فيقول أحدهم:" آباء كثر عندما يصلون منازلهم، يرحب بهم كلب العائلة أكثر من ترحيب زوجاتهم وأطفالهم. ولهذا يتجه إليه ويقعي أمامه بود وحماس ويداعبه كثيرا ثم يضع في فمه قطعة من الحلوى التي يفضلها".

نحن الليبيين في الغالب لا نملك كلابا في بيوتنا وإن كانت القطط من مقتنيات البيت الليبي ولكنها أنانية بطبعها مزاجية للغاية ولا تقترب من أحد إلاّ عندما تحتاج هي لمن يداعبها.

وبذلك صار"المكان" هو ملاذ الزوج الليبي فعندما يدخل بيته يتجه نحو زاوية محددة أو كنبة أو مشجب.. أو حتى مسمار يخلع أمامه ملابسه، يعلقها أو يرميها ويرتدي ثيابه المنزلية ويتهالك أمام التلفزيون وهو يحدق في أشباحه الملونة التي تأخذه إلى عالمه الافتراضي بعيدا عن واقعه، ولقد تخلقت بينه وبين المكان علاقة فصار يجد فيه السكينة التي يحتاجها.

لا يمكن لشخصين سواء أكانا زوجين أو صديقين أن يشتركا في كل شيء من دون أن يدركهما الملل وهكذا فإن الاختلاف يكون مهما لتحريك ركود الرتابة

مُستشارو الزواج يُرجعون الزواج الناجح إلى التوافق وإن كانوا يرون أنه لا يشمل الأذواق والآراء، مؤكدين أن تجاربهم تبرز بشكل واضح أن الذكور يتعاملون مع الزواج والحب على أنه أمر واقع قد يحتاج إلى معالجة في بعض الأحيان، ولكنها ليست أكثر من الالتفاف حول المشكلة والأفضل تجاهلها. وهذا في الواقع هو حل الذكور، خصوصا عند الرجل الشرقي فبسبب انشغاله لو اعتبرنا- مجازا- أنه الممول الرئيسي لمشروع البيت لا يتوقف كثيرا للتفكير في مساءلة التوافق من عدمه.

إن السلوك الشرقي الذكوري، وأيضا وضع الأنثى خصوصا في المجتمعات البعيدة عن التمدن هو السبب في إخماد وهج مشاعرها. وإن أخذنا في الاعتبار عدم إظهار الذكر لانفعالاته ومشاعره تصبح لا مبالاة المرأة ورتابة الحياة الزوجية نتيجة طبيعة.

كتبت باحثة في شئون الزواج عن زوجين اشتكيا بأنهما متناقضان تماما: هي تحب أن تُظهر عواطفها، بينما زوجها لا يُظهرها وأنه يحب السهر، وهي تنام مبكرا، وهي تحب الموسيقى الراقصة وهو يحب الهادئة.

وقد عالجت الباحثة الأمر بالتركيز على ما يتفقان عليه، فاكتشفت أنه أكثر بكثير من نقاط خلافهما.. فتواصلت حياتهما هانئة. وتقول الباحثة أيضا: أنها عندما توفر في بيتها سبل الراحة كلها من هدوء ونظافة وتناسق ألوان المكان والموسيقى الهادئة والأضواء الخافتة منتظرة وصوله، يخيب ظنها بسبب عدم انتباهه لمجهودها، فلم تعد تهتم مثلما كانت تفعل من قبل! ومع ذلك لم يتذمر الرجل ولم تر أي فرق ما بين الحالتين، وبعدما فكرت كثيرا انتبهت إلى أن مرجع ذلك معاناته منذ خروجه في الصباح إلى حين عودته في المساء من المواصلات وازدراء رؤسائه له وخيبته في عدم حصوله على زيادة مرتبه وتراكم الفواتير المطلوب سدادها.

مثل هذه المُكدرات ترغمه على أن يتناولها مع نفسه لأنه لا يريد أن يمكنها من معرفة عجزه فيظهر بمظهر الضعيف أمامها. عندها تدرك أن كل إنسان يحتاج إلى الإصغاء إلى نفسه ومناقشتها وإيجاد حلول لمشاكله.

والخلاصة أنه لا يمكن لشخصين، سواء أكانا زوجين أو صديقين، أن يشتركا في كل شيء من دون أن يدركهما الملل وهكذا فإن الاختلاف يكون مهما لتحريك ركود الرتابة. والمرء يعيش في سجن تجربته الذاتية ولكن بمجرد أن يكتشف هذه الحقيقة تبتدئ رحلة الملاحظة ورؤية العالم على حقيقته واكتشاف أن الحب لا يمكن أن يعيش مع الجهل والاستحواذ ونجاحه يحتاج قدرا كبير من ضبط النفس والتخلص من الأنانية المقيتة.

ويقول المتخصصون في هذه الأمور:" إن قليلا من الانتباه والاهتمام يبعث الدفء مجددا إلى العاطفة الزوجية".

قد تكون اللحظة التي نستمع فيها إلى بوح الشريك هي نقطة التحول إلى عالمنا المشتهى فيصبح ذلك الافتراضي واقعا نعيشه ونتعايشه.