Atwasat

دعوة إلى الملكية الدستورية

عمر الكدي الأربعاء 16 ديسمبر 2015, 09:21 صباحا
عمر الكدي

تزايدت في الآونة الأخيرة دعوات العودة إلى الشرعية الدستورية، وكسبت الدعوة زخما قويا في كل أنحاء البلاد، وخاصة أن من يقود هذه الدعوة وزير الخارجية السابق محمد عبد العزيز، حتى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح قويدر الذي أخطأت طائرته الطريق نحو روما وهبطت في مطار عاصمة غينيا كونكري، دعم هذه الدعوة عندما كلف ممثله إبراهيم عميش في لقائه مع بعض أعضاء المؤتمر الوطني في تونس بالعودة إلى دستور 1963.

ولكن ما أدعو إليه ليس العودة إلى تلك الشرعية التي يكتنفها الغموض، وإنما أدعو إلى تأسيس ملكية دستورية في البلاد، لتكون أول مملكة دستورية في المنطقة، وسبق لي نشر مقال عنوانه"العودة إلى الشرعية الدستورية عودة إلى بصيرة السعداوي"، فقبل أن تحصل ليبيا على استقلالها عين البريطانيون الأمير إدريس أميرا على برقة، بينما أسس بشير السعداوي في طرابلس حزب المؤتمر، وفي بنغازي ودرنة كانت قد تأسست جمعية عمر المختار، وحاول حزب المؤتمر والجمعية تأسيس ملكية دستورية يكون إدريس السنوسي فيها أول ملك للبلاد، فرد السنوسي على هذه الدعوة بما معناه"أنا أمير على برقة يمكنكم تأسيس ما تشاؤون في طرابلس"،وعندها اضطر قادة التيار الوطني للتنازل من أجل أن تستقل ليبيا موحدة.

الآن يمكننا تصحيح ذلك الخطأ الذي كلف بشير السعداوي النفي من بلده، ففي دستور 1963 للملك صلاحيات واسعة، وهو ذات مصونة لا يجوز نقدها، ويقاسم مجلس النواب السلطة التشريعية، بينما تخضع له بالكامل السلطة التنفيذية، ويمكنه في أي لحظة إقالة الحكومة وتكليف رئيس وزراء جديد بتشكيل الحكومة دون العودة إلى مجلس النواب، ولا يستطيع أي رئيس وزراء إصدار قرار قبل أن يحيله إلى الديوان الملكي، فإذا رضي الملك عن القرار يصدر في مرسوم ملكي.

الأحداث التي مرت بها ليبيا أكدت أن عدم وجود رمز يجتمع حوله كل الليبيين يهدد وحدة البلاد ويعزز من الانقسام

وبالرغم من أن الأنظمة الملكية والأميرية والسلطانية في المنطقة لم تتحول إلى أنظمة دستورية، إلا أنها نجحت في الحفاظ على وحدة بلدانها ورفاهية شعوبها، مقارنة بالأنظمة الجمهورية الاستبدادية، التي تحولت مع الوقت إلى أنظمة "جملوكية" أي جمهورية ملكية، وخاصة عندما ورَّث حافظ الأسد الحكم لابنه بشار، بينما كان صدام حسين يستعد لتوريث ابنه عدي، والقذافي ابنه سيف، ومبارك ابنه جمال، وعلي عبد الله صالح ابنه أحمد، حتى زين العابدين بن علي فكر في توريث صهره صخر الماطري حتى يكبر ابنه الوحيد.

ومع ذلك فجميع الأنظمة الملكية ستصبح ذات يوم ملكيات دستورية كما حدث في أوروبا، وستكون المملكة المغربية أول من يصل إلى هذا الانجاز التاريخي تليها المملكة الأردنية، إذا تقاعس الليبيون ولم يغتنموا هذه الفرصة، وفي الأنظمة الملكية الدستورية مثل بريطانيا السويد هولندا أسبانيا واليابان الملك يملك ولا يحكم، وهو رمز للوحدة الوطنية وفي نفس الوقت هو رأس الدولة، وتتولى الحكومة التي تملك السلطة مع نواب الشعب توجيهه حتى في زياراته الخارجية وفقا لمصالحها، وتكتب له خطاب العرش الذي يتولى قراءته فقط.

والأحداث التي مرت بها ليبيا أكدت أن عدم وجود رمز يجتمع حوله كل الليبيين، يهدد وحدة البلاد ويعزز من الانقسام بين مكوناتها الاجتماعية الهشة، وإذا كانت الأسرة السنوسية محسوبة على برقة، بالرغم من جذورها الجزائرية والإدريسية، إلا أن الأمير محمد الحسن الرضى تربى في طرابلس، ووالدته ابنة باكير تنتمي إلى واحدة من أعرق العائلات الطرابلسية، وبالتالي فإن سكان طرابلس وبرقة وفزان أنفسهم ممثلون في هذه العائلة التي توجد زواياها في كل أنحاء البلاد.

بهذه الطريقة نلغي حكم القذافي باعتباره حكما غير شرعي، ونعيد الاعتبار للعائلة التي وحدت ليبيا، ولكن دون المساس بمكانة الشعب فهو سيظل فوق الجميع، وسيظل مصدر التشريع، بينما ستتولى العائلة المالكة الاهتمام ورعاية الجوانب الاجتماعية والثقافية والرياضية، وتبني اليتامى وأبناء الشهداء، خاصة وأن جد الأمير كان المشرف على مدرسة الفنون والصنائع، تلك المدرسة التي نحتاج إلى إحيائها من جديد ونشرها في كل ربوع البلاد، والتي كان يرعاها الملك إدريس وولي عهده، قبل أن يلحقها الخراب في عهد القذافي.