Atwasat

غباغبو....!؟

صالح الحاراتي السبت 20 يونيو 2015, 03:53 مساء
صالح الحاراتي

عندما ثارت الدول الكبرى، وعلى رأسها فرنسا، يوما ما ضد لوران غباغبو، رئيس ساحل العاج، ﻷنه رفض القبول بنتائج اﻻنتخابات ورفض تسليم السلطة بعد خسارته فى اﻻنتخابات، اعتقد البعض أن ذلك الغضب الدولي هو إحدى خطوات العولمة على المستوى السياسى، وأن هذه الصرامة مع غباغبو قد تتحول إلى نهج معتمد من الآن فصاعدا مع كل انتخابات في القارة وفي كل مكان في العالم! وأن مبدأ التنافس الحر والنزيه هو قانون العالم الجديد ذي القطبية الواحدة .

أذكر حينها أن قوات فرنسية خاصة ساهمت في، أو قامت بـاعتقال غباغبو وتسليمه للسلطة المنتخبة وأذكر أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون فى ذلك الوقت قد صرحت بأن اعتقال لوران غباغبو يوجه«رسالة قوية» إلى جميع الديكتاتوريات بأن العالم لا يمكنه«تجاهل» أصوات الشعوب التي تطالب بانتخابات حرة وعادلة ونزيهة!!؟

راهن البعض يومها على أن العالم سترجح فيه كفة المباديء على المصالح فى سابقة تؤسس لعالم جديد تسود فيه قيم العدل والحرية وحقوق الإنسان وراهن آخرون على أنها مصالح الدول الكبرى التي تفرض تدخلا هنا وتمنعه هناك.

رأى الكثير من الناس أن تدخل المجتمع الدولي فى ليبيا يؤكد أنه يصب فى خانة الوقوف مع الشعوب وأنه تأكيد للمباديء وظنوا أن حادثة غباغبو ماهي إﻻ مقدمة فى ذلك اﻻتجاه .

كان هذا الحديث فى آواخر أبريل 2011 وكان ذلك متزامنا مع ما ما يحدث فى العالم العربي فيما سمى بالربيع العربى وكان الحديث يدور يومها هل موقف المجتمع الدولي صادق في التزاماته تجاه ترسيخ قيم الحرية والديمقراطية في العالم بالوقوف مع الشعوب المقهورة أم أن المسألة تتعلق بمصالح وأجندات خاصة بالقوى الكبرى من بينها التخلص من عملاء سابقين وخلق بديل جديد أو أنها ربما الفوضى الخلاقة التي تم التبشير بها قبل ذلك. ومضى السجال في الأوساط المختلفة في تقييم الأمر بين دعاوى المصالح أوالمباديء.

رأى الكثير من الناس أن تدخل المجتمع الدولي فى ليبيا يؤكد أنه يصب فى خانة الوقوف مع الشعوب وأنه تأكيد للمباديء وظنوا أن حادثة غباغبو ماهي إﻻ مقدمة فى ذلك اﻻتجاه .

اليوم وعندما أتذكر حادثة «غباغبو» وأقارن موقف المجتمع الدولي وتفاعله مع الأحداث التي جرت فى بلادنا فى 2014عندما رفضت السلطة القائمة تسليم السلطة للكيان المنتخب ديمقراطيا، بل وقيام قوى مسلحة باحتلال العاصمة وكيف كانت حالة البرود وعدم اﻻهتمام واللغة المطاطية والهلامية التى يصفون بها ما يحدث وغابت الصرامة والشدة فى ردة الفعل التي انتابت المجتمع الدولي التي تعاملوا بها مع باغبو وارتفعت أصوات تدعو للحوار والتسامح، بل ولاقتسام السلطة، ولكن عندما فشلت السلطة المغتصبة للعاصمة في تحقيق اﻻستقرار قرر المجتمع الدولي التدخل ولم ينحز للعملية الديمقراطية والشرعية، كما ادعى، مع حادثة غباغبو ولكنه طلب تجاوز ماحدث من عنف ودمار والحوار والجلوس مع الطرف المغتصب والتفاهم معه حتى تراءى للبعض بأن كل ما حدث وكأنه حدث أصلا بإيعاز من أهل الخارج!

وذلك ما استدعى التساؤل: هل يا ترى الأخوان والجماعة المقاتلة التى اغتصبت السلطة في طرابلس نظام ديمقراطى، وأن مجلس النواب، المنتخب ديمقراطيا، هو الإرهابي؟ أم أن غباغبو أفريقى أسمر ويجوز عليه ما ﻻ يجوز على الأخوان من الجنس الآري «ابو عيون زرقاء» ؟

كان الحديث يدور يومها هل موقف المجتمع الدولي صادق في التزاماته تجاه ترسيخ قيم الحرية والديمقراطية في العالم بالوقوف مع الشعوب المقهورة أم أن المسألة تتعلق بمصالح وأجندات خاصة بالقوى الكبرى

من المؤكد أن الحياة تحركها المصالح ويبقى هامش المباديء والقيم فى آخر سلم الأولويات، إﻻ إذا ترافقت المصالح والمباديء صدفة.

يقول علي الوردي:«إن الإنسان لا يطلب الحق من أجل الحق ذاته، فالحق سلاح يستخدمه الإنسان في حاجاته أكثر مما هو هدف مطلق يقصده لذاته وحين يتنازع الناس حول حق من الحقوق إنما هم ينشدون به مصالحهم الخاصة فإذا تناقض الحق مع المصلحة كانت المصلحة أولى بالإتباع والإنسان حين يسعى وراء مصلحته الخاصة يغطي سعيه ببرقع من الحجج المثالية ليدعم بها موقفه»
ﻻ بأس إن تقاطعت مصالحنا مع مصلحة الدول الكبرى يوما ما، إذا تبين أن مصالحهم مع حرية الشعوب ودعم حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب، ولكن ﻻ يجب أن نغفل عن التعامل الواقعي الذي يؤكد بأن هناك ما ﻻ يجب أن نتجاهله المصالح اﻻقتصادية للدول الكبرى ورؤيتهم الجيواستراتيجية للمنطقة هو الذي يحرك ويحكم تفاعلهم مع الأحداث وﻻ علاقة للمباديء فى السياسة الدولية إﻻ همسات عابرة لذر الرماد فى العيون.