Atwasat

لا يمكنكم إرهاب أحفاد المختار

عمر الدلال الإثنين 15 يونيو 2015, 01:29 مساء
عمر الدلال

كم يؤلمني أن أرى أقلامًا وشخصيات وطنية لها قيمتها عندي وعند عديد القراء والمشاهدين تنسى ما دفعه الشعب الليبي من ثمن باهظ بالدم والدمار والعازة والأطراف المبتورة لأربع سنوات كاملة من أجل الخلاص وإنقاذ الوطن.

مسودة «الشلل» ومن رسمها يعرف أنها ستفشل، ولكن همه فيما بعدها وما تحدثه من تفكك وخلط للأوراق

يدافعون عن مسودة مهلهلة متناقضة لا تحترم إرادة الشعب واختياراته الشرعية ولا سيادة الدولة ولا الفصل بين السلطات، مكبلة بالقيود والإجراءات وعدم المنطق والقصور عن إمكانية إصدار أي قرار هام، لدرجة الإعاقة، وعدم القدرة على أن تخطو خطوة واحدة على أرض الواقع المعاش، في الوقت الذي لن تكون فيه قادرةً حتى على بناء المستحدث من مجالسها وتشكيله بمعايير سليمة ولا على التنسيق بين سلطاتها، فما بالك أن تقدم ما يفيد الشغب خارج مكاتبها. إنها مسودة «الشلل» ومن رسمها يعرف أنها ستفشل، ولكن همه فيما بعدها وما تحدثه من تفكك وخلط للأوراق من جديد. ورغم ذلك يرى البعض في قبولها «الفرج المبين » وفي «رفضها الخطر العظيم».

وأنا لا أرى فيها هذا ولا ذاك، بل أرى أن هذه المسودة فضحت أهداف الحوار، وأكدت أن مخاوفنا كانت سليمة عند بدايته وأن الذي أملى بنود هذه المسودة على برناردينو ليون هو نفسه من أملى بنود مؤتمر «طارق متري» الفاشل قبل انتخابات يونيو 2014. ذلك المؤتمر الذي لم ينعقد لقوة إرادة الشعب الليبي وشجاعته وبعد نظره الموروث عن أجداده البواسل.

المسودة فضحت أهداف الحوار وأكدت أن مخاوفنا كانت سليمة عند بدايته

لماذا لم يُدعَ للحوار أثناء احتلال العاصمة ولم نر هذا الضغط والحماس من أميركا وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية أثناء اغتيال وخطف المئات من الضباط والإعلاميين والنشطاء، بما في ذلك قتل النساء داخل بيوتهن ببنغازي. ألم يقتل شباب بنغازي وطرابلس بالعشرات في مظاهراتهم السلمية أمام معسكرات التطرف. ألم يقتل المئات ويشرد الآلاف وتهدم المساكن على رؤوس السكان الأبرياء في طرابلس وورشفانة وفي الطريق إلى الزنتان. ألم يدمر مطار ليبيا الدولي. ألم تكن العاصمة على وشك الاحتراق. ألم يتجه العدوان بعد ذلك إلى الهلال النفطي. للسيطرة عليه.

نعم. أين كان كل هؤلاء المتدخلين وحماسهم. لم نجدهم، لأنهم هم من أعطى الضوء الأخضر لينال حلفاؤهم أوراقًا قوية للمساومة. لتصبح «الأرض» مقابل «الشرعية». لا نخاف من «داعش» فنحن دولة مسلمة بدون صراعات مذهبية ولا عرقية. فليس لـ«داعش» مكان بيننا ولا حاضنات كافية وعندنا قبائل تأثرت بالدعوة السنوسية السمحة فهي توحد ولا تفرق وتصون ولا تبدد.

بدأ الانشقاق داخل فجر ليبيا (كما توقعنا مبكرًا) وبدأت ورشفانة تحرر أراضيها ووصل الجيش الوطني إلى ضواحي العاصمة

ولكن خاب أملهم «في القوة على الأرض» بشجاعة وتضحيات الشعب الليبي مع جيشه (وقد نبهناهم بذلك مبكرًا)؛ حيث إن حلفاءهم لم يتمكنوا من السيطرة على شبر واحد من الهلال النفطي ولا الوصول إلى الزنتان. وبدأت ورشفانة تحرر أراضيها ووصل الجيش الوطني وقوات مناطق غرب طرابلس المنظمة إليه إلى ضواحي العاصمة ودق أبوابها وبدأت انسحابات أهم قوات «فجر ليبيا» من ساحات المعركة بعد أن وعت خطورة الاستمرار وثمنه، وبدأت المصالحات القبلية وقبلت خوفًا من الانتقام الشرس وامتداد الحرب لتشمل حتى ما بعد طرابلس. وبدأ الانشقاق داخل فجر ليبيا (كما توقعنا مبكرًا عند بدايتها)، وتوقف الجيش عن دخول العاصمة للتنسيق لدخولها بأقل الأضرار وإن شاء الله بسلام.

هنا فقط حضر الغائبون عن مأساة الشعب الليبي لأربع سنوات ليضغطوا علينا ويهددونا بأن لا حل أمامنا غير الحوار ونتائجه ليحققوا مالم يتمكن «متري» ولا «قوة حلفائهم على الأرض» من الوصول إليه لإيجاد سلطة تحقق مصالح أميركا بليبيا وشمال أفريقيا، وللضغط على حركة مصر وللوقاية من «فوبيا عبدالناصر» بعد سقوط «الإخوان» ولتنفيذ عقود تركيا المليارية وقبول مشاريع قطر الغازية الضخمة ولحماية وتعزيز المعارضة المصرية بليبيا.

لا نرفض الحوار مع أهلنا ولكن بالعدل وحسب إرادة شعبنا ومصلحته دون تدخل يخدم مصالح أجنبية

لماذا لا حل أمامنا إلا قبول إملاءاتهم. نحن لا نرفض الحوار مع أهلنا ولكن بالعدل وحسب إرادة شعبنا ومصلحته دون تدخل يخدم مصالح أجنبية. فها هي المصالحات القبلية تسير على أحسن وجه، وها هو جيشنا يحقق انتصارات واسعة على الأرض على الإرهاب بدون مساعدتكم.

علمًا أننا لا نخاف من «داعش» فنحن دولة مسلمة بدون صراعات مذهبية ولا عرقية. فليس «لداعش» مكان بيننا ولا حاضنات كافية وعندنا قبائل تأثرت بالدعوة السنوسية السمحة فهي توحد ولا تفرق وتصون ولا تبدد. والأزمة التي عاناها الشعب الليبي كانت لأطماع جهوية وتدخلات خارجية وتحالفات هشة مع جماعات متطرفة، ها هي تفككت ولم يبقَ إلا القليل. ومادمنا قد عرف كل منا حدود مقدرته، وتبين حجم الخطأ وأوهامه، فلن نجد أمامنا إلا التوحد جميعًا في الحرب على الإرهاب وسنحقق مالم يحققه قبلنا أحد في أقصر وقت، وأنتم تعلمون أن ليبيا كانت أول دولة طمست الإرهاب على أراضيها فترة استفحاله الأولى في الوطن العربي والعالم.