Atwasat

«داعش» وأسطورة «الثوار»

أوسمان بن ساسي الأحد 31 مايو 2015, 03:59 مساء
أوسمان بن ساسي

«نحن لا نقاتل من أجل ديمقراطية أو من أجل المؤتمر الوطني أو لأجل رجوع مجلس النواب إلى بنغازي»، هذا ما جاء في بيان «مجلس شورى ثوار بنغازي» المنشور يوم 17 أغسطس العام 2014، والذي اشتهر باسم بيان 19.

بيان 19 أوضح بما لا يدع مجالاً للشك أن المنضوين تحت هذا الكيان، وهم تنظيم «أنصار الشريعة»، وقوات «درع ليبيا1»، وكتيبتا «راف الله السحاتي» و«شهداء 17 فبراير»، جميعهم يتفقون على مبدأ محاربة مفهوم الدولة، وفرض أنفسهم بدلاً عن أي جسم تشريعي أو حكومة مقبلة.

وبهذا سقطت أسطورة وصف المنضوين تحت هذا الكيان بالثوار، أو بالمدافعين عن بنغازي، هم يقاتلون جنبًا إلى جنب مع تنظيم «داعش» لتحقيق مصالح خارجية تنسف دولة ليبيا من الخارطة.

إلا أن هناك من يصر على إرسال الأسلحة والذخائر لهم دعمًا لأهدافهم أو ربما عملاً بسياسة عدو عدوي صديقي، (خصمهم السياسي حفتر)، وهذه الاستراتيجية تحتم عليهم القبول بحكم «داعش» لكل ربوع ليبيا بما فيها سرت وضواحيها وما جاورها!.

الحديث موجه إلى الجهات التي ترسل الدعم إلى المتطرفين في بنغازي عن طريق ميناء الحديد والصلب في مصراتة، والتي ساهمت بطريقة ما في تقوية تنظيم «داعش» في سرت.

وسواء كانت «كتيبة الفاروق» هي الداعمة لحلفائها في بنغازي أو غيرها فالأسلحة التي ترسل إلى هناك ساهمت في قتل أطفال عاصمة الثورة، وشاركت في قتل عناصر «الكتيبة 166» في سرت، وأخيرًا ساهمت في انسحاب كتيبتي الأسد والأحرار من المدينة.

وهنا يشار إلى أن «داعش» لن يتوقف عند السيطرة على سرت بل سيسعى للتمدد إلى المناطق المجاورة وخاصة النفطية، حتى يصل طرابلس ويسيطر عليها، ولا سيما أنه جند خلايا في العاصمة قامت بعدد من العمليات الإرهابية كهجومها على فندق كورنثيا، واستهداف حاجز أمني في الغيران، وتفجير مركز شرطة زاوية الدهماني، وتفجير السفارة الإيرانية، وفتح النار على الحرس الدبلوماسي لسفارة كوريا الجنوبية وغيرها من العمليات الإرهابية!.

الخلافات السياسية لا تحل إلا على طاولة الحوار أما من يقاتل لتكون كلمة البغدادي هي العليا فلا يواجه إلا بالسلاح والأهم التسلح بالوحدة الوطنية

بات واضحًا أن «داعش» يقاتل إلى جانب «مجلس شورى ثوار بنغازي»، إلا أن هناك من يتذاكى ويعتقد أن بإمكانه استغلال التنظيم في خدمة مصالحة السياسية دون أن يحرقه لهيب المفخخات أو تقطعه شفرات سكاكينه.

وفي كل الأحوال والمستويات لا حل لتدارك المأزق وإنقاذ ليبيا بغير محاربة التطرف وتسميته بشكل واضح أينما كان، في سرت ومصراتة وإجدابيا وبنغازي ودرنة وكل المدن الليبية التي وصلها هذا الورم الذي يجب استئصاله.

فنعت «داعش» في سرت بالإرهاب ونسبته في درنة وبنغازي إلى «الثوار» تناقض ثمنه دماء أبرياء تسال هنا وهناك!، وعواقبه استدعاء للتدخل الخارجي وتقطيع لأوصال ليبيا.

ذلك أن النظر بزاوية فئوية ضيقة لن يكون في صالح أحد، فالخلافات السياسية لا تحل إلا على طاولة الحوار، أما من يقاتل لتكون كلمة البغدادي هي العليا فلا يواجه إلا بالسلاح، والأهم التسلح بالوحدة الوطنية.

ووقوع مدينة سرت تحت سيطرة «داعش» ليس بالأمر الجديد، فهي خاضعة له منذ مدة، وما حدث فيها هو تكرار لسيناريو درنة العام الماضي، عندما أعلن «مجلس شورى شباب الإسلام» مبايعته البغدادي، وهو السيناريو ذاته الذي يسعى «داعش» لتنفيذه في بنغازي منذ أشهر بمساعدة «مجلس شورى ثوار بنغازي»، ولذلك يرتبط تحرير المدن الثلاث بعضه ببعض ولن يتم إلا بالوحدة الوطنية.

ولو أردنا العمل على الخروج من هذا الوضع، فلا مخرج إلا بتسمية التطرف في كل مناطق ليبيا والتعاون للقضاء عليه، بعيدًا عن المقاربات الجهوية، وذلك لن يتأتى إلا بعد أن يهدأ غبار المعارك بشكل كامل في المناطق الغربية بين عملية «الكرامة» وقوات «فجر ليبيا»، مثلما فعلت كتائب حطين ولواءا «الحلبوص» و«المحجوب» و«الكتيبة 166»، التي دعمت الحوار وأوقف الاقتتال.

وحتى لا تسقط العاصمة كما سقطت درنة وسرت في يد «داعش» يجب بدء حوار عسكري والابتعاد عن محاولة احتكار تبعية الجيش إلى مدن ومناطق بعينها، فمؤسسة الجيش لا تعترف بمن يرفع راية القبيلة أو يتعامل مع ليبيا بمفهوم جهوي، ولا تخلو المدن والمناطق الغربية كافة من وجود ضباط وضباط صف وجنود فيها، يتبعون المؤسسة العسكرية، إلا أنه بعد الانقسام الذي حدث لا مناص من فتح حوار عسكري للمصالحة وتفعيل الجيش في كل المناطق ابتداءً من مصراتة حتى رأس إجدير ولعل من الشخصيات التي تستطيع فعل ذلك العقيد سالم جحا.

لأن توحيد الكلمة في الجهة الغربية تحت قيادة قوية وحراسة الموانئ البحرية يجعل من «داعش» مجرد كيان هزيل يسهل القضاء عليه، والانقسام وعدم الاتفاق يمكن التنظيم من السيطرة بشكل أسرع على الجهة الغربية والجنوبية كذلك.

صحيح أنه كان يجب منذ زمن أن تختفي التسميات الموازية للجيش، إلا أنه الآن أصبح ضرورة ملحة ومسألة وجود لمواجهة محاولات إخفاء الهوية الوطنية الليبية، وبعض تلك المحاولات تساهم فيه دول عظمى وأدواتها في المنطقة بدعم كل الأجسام التي تناهض قيام الدولة في ليبيا.

وهنا تكمن أهمية إنجاح الحوار العسكري، فأهم نتائجه ستكون تفعيل جيش موحد، ووقف الاقتتال في المنطقة الغربية، وحماية الحدود جنوبًا، وإضعاف التطرف شرقًا والقضاء عليه بعد ذلك، فمعارك سرت وبنغازي ودرنة لن تنتهي في ظل هذا التشرذم والتفرق والتحارب.

ولا شك أن الاستقرار في المنطقة الغربية سيساهم بشكل مباشر في الحل الأمني شرق البلاد، بموازاة إنجاز اتفاق سياسي في الصخيرات بأسرع وقت، تنبثق منه حكومة وحدة وطنية مهمتها وقف الانقسام وبسط الأمن ومحاربة التطرف، بعيدًا عن محاولات ثُلة من المنتفعين الليبيين وطلبهم الوساطة من الإعلامي السعودي جمال خاشقجي لعقد «طائف ليبي» في السعودية، أو كما حاول بعض مدعي الزعامة القبلية عقد مؤتمر في القاهرة للاستنجاد بمظلة القبيلة وإرجاعنا إلى الحقبة الخضراء.