Atwasat

2017

أحمد الفيتوري الأحد 31 مايو 2015, 10:22 صباحا
أحمد الفيتوري

كنا آخر الليل في مارس 2011 بساحة المحكمة ببنغازي، في انتظار صدور قرار مجلس الأمن 1973 لحماية المدنيين في ليبيا، الساحة غاصة بالبشر وبالأعلام الأميركية، اتكأ عليِ أخي عبد السلام، مبديًا استغرابه من أنَّ الليبيين تمَّ خلال العقود الأربعة الماضية حشدهم ضد أميركا، وها هم يرفعون العلم الأميركي كما يرفعون علم الاستقلال، علقت: بل ويقوم خياط في الساحة بتجهيز هذه الأعلام لتحملها حشودٌ كثيرًا ما حُشدت قبل ضد العدو الأول: أميركا.

بعدها مباشرة تدفق كثيرٌ من رجال المخابرات والمسؤولين الأميركان على بنغازي، منهم هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، في تلك الساعة كان لليبيا حكومتان وعاصمتان بل وجيشان، وكانت أميركا تدعم جيش الثوار، وقد وكد ذلك ماكين عضو مجلس الشيوخ أثناء لقائه في بنغازي عبد الفتاح يونس قائد الجيش الليبي (أو كما يقال الآن جيش حفتر!). حينها كان كريستوفر ستيفنز-السفير الأميركي فيما بعد- أكثر مَن يجالس ويجتمع بهم هم قادة الميليشيات والتي هي من الجماعات الإسلامية المتطرفة، وما يبين هذا الصور المتوفرة حتى الساعة.

مقتل كريستوفر هذا في بنغازي-وما قبله- جعل من هذه المدينة كما ولاية أميركية يتردد اسمها على لسان الإدارة الأميركية وفي تقاريرها وفي الميديا، ليبيا التي تدخَّل الجيش الأميركي في شؤونها الداخلية مع طرف وضد طرف آخر، تحت راية الناتو بقرار من مجلس الأمن، ليبيا هذه تحوَّلت إلى مسألة أميركية محلية يفصح عن ذلك التسريبات الأخيرة لرسائل البريد الإلكترونية لهيلاري كلينتون.

ببنغازي في أبريل 2011م، كنت مع أفراد شكَّلنا اتحادًا للصحفيين الليبيين اُنتُخبت رئيسًا له، جاءني صحفي بلجيكي يطلب المساعدة لمقابلة زعماء للقاعدة في مدينة درنة، ملمِّحًا بأن المدينة قاعدة للقاعدة في الشمال الأفريقي، ولم يكن لديه غير تخرصات في ذات الساعة رددها القذافي أيضًا، ذهب لدرنة لمقابلة شخصين معروفين بأنهما عائدان من معتقل غونتاناموا الأميركي الأشهر، وقد جعل منهما كما نواة أو خميرة لتقعيد درنة كما دعشت القاعدة فيما بعد، لقد أعطيا شخصين مهمة توطين الإرهاب الدولي في شرق ليبيا منذ اللحظات الأولى للربيع العربي! واليوم كما سقطت درنة تسقط سرت في يد «الإرهاب الدولي» الذي يرعاه ويمونه الله أو كما يقال، وبسقوط سرت يستولي «الإرهاب الدولي» على أكبر حوض نفط وموانئ نفطية مجهَّزة من أكبر الشركات الأميركية في البحر المتوسط، ولسرت مطار دولي أيضًا، يحصل هذا دون أن ترمش عين أوباما ولا خوف على شمال المتوسط ولا يحزنون، كما لو أنَّ الإرهاب الذي يعنونه ويعنيهم هو الهجرة والمهجِّرون فحسب.

«الإرهاب الدولي» كما خنزير يسمن بالضرب والقتال، فالتحالف الدولي وزد التحالف العربي كما لوكانا زادا وزوادة لـ«الإرهاب الدولي»

وفي هذا الوقت كان الرئيس الأميركي يصرِّح بعجزه عن معرفة دوافع آل الشرق الأوسط اعتمادهم لنظرية المؤامرة، وأعرب عن عجزه عن فهمهم: إن تدخلت أميركا فيما يحصل في المنطقة عدوا ذلكم تدخلاً في الشؤون الداخلية لدولهم، وإن عملنا على عدم التدخل اعتبروا ذلك تقاعسًا وتواطؤًا، وهو يعلن عن عجزه يباشر قتالاً فصيحًا، ورئاسة لتحالف دولي يضم أربعين دولة في قتال دولة داعش، ما تضم تحالفًا لجماعات إسلامية درَّبتها المخابرات الأميركية والبريطانية في أفغانستان والبوسنة وكوسوفو والعراق وسورية، وكانت لها مكاتب مفتوحة في لندنستان خلال العقدين الماضيين، ومنهم الجماعة الليبية المقاتلة، خاصة جماعة مانشستر من يتحكمون في طرابلس وموارد ليبيا النفطية والمالية وغيرها وحتى الآن.

وبقدر هذا التدخل الأميركي المصحوب بدول العالم في الشرق الأوسط وفي ليبيا، وبقدر ما جعل من المسألة الليبية «بنغازي الأيقونة» مسألة محلية داخلية لها مفعول السحر في التنافس الدائر من أجل وراثة أوباما، بقدر ذلك كله يعجز السيد أوباما عن الفهم، وتنتشر في زمن المعلوماتية في الأخبار مصطلحات: «غارات مجهولة»، «طائرات مجهولة»، «جهات مجهولة»، كما لو كانت صحون طائرة قادمة من كواكب خارج المجرة. بل وكلما استعرت نار المعارك انتشرت الحروب من أفغانستان حتى ليبيا ومن درنة إلى كل ليبيا، «الإرهاب الدولي» كما خنزير يسمن بالضرب والقتال، فالتحالف الدولي وزد التحالف العربي كما لوكانا زادا وزوادة لـ«الإرهاب الدولي».

هذا على الأرض وأيضًا في الأخبار التي جعلت من «داعش» الإيدز الإسلامي! الذي ينتشر كلما قاومته وتحصنت ضده، وهو يعطل كل مضاد، بل ويجعل المضادات غذاء للروح القتالية وانتشارًا له وتوسعًا. أما على مستوى الزمن الذي يستغرقه السوبرمان الإسلامي «داعش»، فقد بشرنا هجل وزير الدفاع الأميركي السابق بجيل كامل والجيل أربعين عامًا، وحينها أثنى سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية السابق أيضًا على هذا التصريح، وكل المؤشرات تؤشر لمكنة ذلك وما صدق، فالربيع العربي تخرف عاجلاً كما كانت أيقونته «عاجل»، والخريف في تمهل وتؤدة من أمره كما «بلاتر» عجزه يعني الاستمرار قائدًا.

ولهذا صرَّح أوباما أن لا حل. أن خلال فترة رئاسته الثانية لا خلاص. أي أنه حتى العام 2017 -نهاية رئاسته الثانية والأخيرة للولايات المتحدة- رئيس أميركا ومن ثم العالم داعش.