Atwasat

1-أحمد قذاف الدم ونصف قرن مع القذافي

محمد عقيلة العمامي الخميس 28 مايو 2015, 10:28 صباحا
محمد عقيلة العمامي

«كان قائدًا عظيمًا، وكانت أخطاؤه[كذا] عظيمة أيضًا!» كذلك قال السيد أحمد قداف الدم، وظل يحدثني عن عروبة معمر القذافي وهمّه الوحدوي؛ هذا الهم الذي طغى في تقديري على الحرية التي كانت ثلث شعاراته التي أطلقها يوم الفاتح من سبتمبر 1969م، وانطلقنا خلفها بعقلية القطيع!

لم يعارضني. خيل لي أنه وافقني على الرأي الذي يقول: إن غارة (ألدورادو) الأميركية على بيته يوم 15/ 4/ 1986م هي الحدث المفصلي بين صدق انتمائه لعروبته وإسلامه، وبين رفضه لهما ولليبيين أيضًا!. فأخطاؤه (العظيمة) تفاقمت منذ تلك الليلة! كانت له أخطاء في معالجة رأي الآخر الذي يعارض فكره، إذ اعتمد العنف والسجن كحلول للنيل من معارضيه، وكسر شوكتهم؛ ولقد نجحت، إلى حد كبير، هذه الحلول داخل أسوار ليبيا التي شيَّدها، وأحاطها بالتأشيرات والموافقات الأمنية، صعبة المنال، وحصر الدخول والخروج من وإلى البلاد، في منافذ محدَّدة وبسبب هذا النجاح، النسبي، خيِّل له أنَّه سينجح في ملاحقة مواطنيه في الخارج، ولكن ما إن قام بذلك حتى بان عنفه للعالم، وتكاثر أعداؤه.

معمر القذافي ليس موضوع هذه المقالة، فلقد أصدر الليبيون بشأنه الأحكام ونفِّذت وصار في ذمة التاريخ! وسواء أكانت أحكامًا صائبة، أم خاطئة فإن معرفتها لن تغير مما حدث، وما يزال يحدث. ولكن، إن كان ثمة تصحيح، فالحقائق التي لم تكن معروفة للناس كافة، وشهادات معاصريه، ورفاقه، ورجاله هي التي ستقودنا إلى حقيقة ما حدث. ولا أحد يعرف الليبيين حق المعرفة، بمقدوره أن ينكر أن للقذافي مؤيدين، قد نختلف في عددهم وصدق قناعاتهم، ولكن ليس بمقدورنا نكران هذه الحقيقة.

 

معمر القذافي ليس موضوع هذه المقالة، فلقد أصدر الليبيون بشأنه الأحكام ونفِّذت وصار في ذمة التاريخ!

السيد أحمد قذاف الدم، هو الشخصية التي أود الحديث عنها، بسبب كتاب وصلني منه، وكان قد صدر هذا العام، وهو الذي صاغه الأستاذ عبد الستار حتيته، عنوانه: «قذاف الدم يتحدث» عن نصف قرن مع القذافي. والسيد أحمد قذاف الدم كان من أقرب الخُلّص إليه، وكان معه من قبل سبتمبر 69م وحتى سقوطه. بل الحقيقة هو أن معمر القذافي كان في رعاية عمه والد السيد أحمد قذاف الدم وسيد قذاف الدم بسبب منصبه العسكري في فزان، قبيل سبتمبر1969م.

لم ألتق بالسيد أحمد قذاف الدم، من قبل، سوى مرة واحدة كانت منذ 42 سنة، ففي صيف 1973م قدمه لي صديق في مدينة برايتون، كان حينها ضابطًا حديث التخرج يدرس اللغة الإنجليزية هناك. كانت ابتسامته الشهيرة تبرز ملامح شاب مؤدب خلوق وملتزم للغاية، فعلى الرغم من أن اللقاء تزامن مع ترسخ بداية خروج الإنجليز من عباءة أخلاق الحقبة الفيكتورية، وانفجار الثورة الجنسية، وامتلاك الشباب لحرية ليس لها حدود، إلاّ أنني لم أره منغمسًا في هذا الضلال الممتع، الذي انغمس فيه جيله! فقد كان من دون الكثيرين من الشباب الليبيين الذين يلتقون في مقاهي ونوادي تلك المدينة، وكان من أكثرهم تأدبًا والتزامًا، وبعدًا عما كان فعله شكلاً من أشكال التمدن! ربما لليالٍ قليلة التقيته ولكن لم يزد الأمر عن دردشة حول فنجان شاي أو قهوة! كان يصغرني بسنوات لعلها خمس أو ست، ولم أكن حينها ملتزمًا مثله!.

وتشاء الصدف أن أعود إلى طرابلس وفي نيتي شراء سيارة من التويوتا، التي كان وكيلها في طرابلس، آنذاك، صديقي محمد إبراهيم السوسي، الذي أخبرني أن لديهم سيارة فخمة وصلت بتوصية من ضابط شاب استعملها لأقل من شهر، وأعادها للوكالة طالبًا بيعها بسبب سفره للدراسة في الخارج! كانت السيارة تخص السيد أحمد قذاف الدم! فأخذتها وعدت بها إلى بنغازي ليصلني عقد بيعها موقَّعًا منه من دون أن ألتقيه، حتى هذا اللقاء الذي عدت منه بقناعات بيّنة، وكتاب أريد أن أحدثكم عنه، وعن صاحبه، خصوصًا وأنني مقتنع من البداية أن قانون العزل السياسي، الذي أقره المؤتمر الوطني العام، هو المعول الذي بدأنا نهد به بلادنا، وكتبتُ أكثر من مقال عن ضيم هذا القانون، وما زلت أكرر أن الليبيين كلهم شركاء في الوطن، وكلهم أبرياء إلا من تثبت إدانته، وأن الناس تعرف إلى حد كبير من الذين أساءوا إليهم، ولذلك أرى أن الأمانة أن يكتب المتخصصون عما يعرفونه، ويحاوروا من يريد الحوار من رجال فترة حكم القذافي وينتبهوا جيدًا إلى أن ما يكتبونه هو شهادة يتحملون وزرها!

ليس بمقدوري، أنا شخصيًّا، أن أوجه أي اتهام له لأنني لم أسمع أبدًا عن تورطه في أية أعمال عنف تجاه أحد، مثلما يحدث أيام القذافي.. ومثلما يحدث الآن!

والسيد أحمد قذاف الدم، الذي لم يتأكد الناس من حقيقة تفاوض حكومتنا بشأن العودة به إلى ليبيا مقابل ملياري دولار. والذي أُعلنت لقاءاته مع بعض من نشطاء ثورة فبراي، لم يصلنا عنها شيء بوضوح، إذ ظلت مجرد افتراءات. تعلن في مناسبات كثيرة، هنا وهناك.


وليس بمقدوري، أنا شخصيًّا، أن أوجه أي اتهام له لأنني لم أسمع أبدًا عن تورطه في أية أعمال عنف تجاه أحد، مثلما يحدث أيام القذافي.. ومثلما يحدث الآن! والرجل كتب ما يعرفه، وصارت المعلومات ملكًا للناس كلهم، فماذا يمنع من يرون أنه متهم من أن يخبرونا عما يعرفونه، إن كانوا فعلاً يعرفون شيئًا نحن لا نعرفه؟
عندما بدأت في قراءة الكتاب، لم يكن لدي حكم مسبق عن كاتبه، ولذلك رأيي وحكمي كتبته مما فهمته من النص، وليس مما يقال، ولعل أول ما لفت انتباهي، أسطر ذكرتني بمقال كتبته غايته الإجابة على سؤال يوضح إشكالية تعريف ما قام به القذافي في سبتمبر1969م: هل ما قام به انقلاب أم ثورة؟


يوضح مؤلف الكتاب في نهاية صفحة 36 ومطلع37 (... الخلافات بدأت تدب في أوساط الضباط الأحرار) ويفسر السيد أحمد قذاف الدم:«أولاً كان هناك فارق كبير بين معمر ومن معه من ضباط. معمر كان لديه حلم، وكان يقول أنه لم يقم بانقلاب لكي يحكم لا هو ولا زملاؤه[كذا].. كانت لديهم مهمة وانتهت..» فهل هذا تقرير بأن ما قام به انقلاب؟ وإن كان الأمر كذلك كيف يطلق على المجلس الذي قام بالحركة:«مجلس قيادة الثورة»؟ أم أنه يقصد أن(الانقلابيين) هم فقط من يحكمون بعد إسقاط النظام، وليس الثوريون؟ وإن كان الأمر كذلك ألم يحكم عدد ليس بقليل من الذين قاموا بتغيير النظام؟ سوء الفهم قد يكون بسبب تركيب الجملة والتفسير، أو أن ما فهم من النص هو المقصود؟


السيد أحمد قذاف الدم، بامتداد سرده يؤكد لنا أن ما قام به القذافي ورفقاؤه هو ثورة هدفها هو خلخلة المجتمع وتأسيس دولة جديدة لمفاهيم عروبية وإسلامية شعارها:«حرية، اشتراكية، وحدة» فهل تحقق لليبيين ذلك؟

دعونا نستمر مع سرده الموثق، وسوف نكتشف بالتأكيد حقائق لم تصلنا من قبل.