Atwasat

الله محبة

محمد عقيلة العمامي الأربعاء 20 مايو 2015, 08:51 صباحا
محمد عقيلة العمامي

قرأت مقالا عن المحبة، فتذكرت أحد أساتذتي، الذين تربطني بهم علاقة قوية، ولا أختلف معه أبدا سوى في نقطة أساسية، وهي أنني كنت أعرف جيدا، أنه ملحد لدرجة الرعب، أذكر أنه قال لي:" من العبث قبول فكرة وجود مخلوق يحبك من دون مصلحة حقيقية، فما بالك بقبول فكرة وجود خالق لا تراه، ولا تعرف مكانه أو شكله، ولم تلتقه-وجها لوجه- ويتعين عليك أن تحبه وتتطلع أن يحبك ويحفظك من كل شر، ومن دون سبب مقنع .."واستطرد بسخرية:" ايه العبط ده ؟".

ذات مرة أمضيتُ، رفقة صديقي المرحوم أطلوبه الريشي ليلة معه، فلقد كان يسكن بمفرده، وكانت نزلة برد وحمى تمكنت منه فقال لنا عندما هممنا بمغادرته:"لا تتركوني وحدي يمكن ملاك الموت يستفرد بي!" كان ساخرا، وكان يحفظ القرآن وتفاسيره، ولكن الله لم يهده في ذلك الوقت. أمضينا تلك الليلة في نقاش حول وجود الله، من دون أن نقنعه أو يقنعنا وأذكر أنه قال بعدما أطفأنا الأنوار، وقبيل أن يأخذه النوم:" تفتكروا- يا أولاد - أني سأجد الله يوما ما؟" أجابه أطلوبه بعد برهة:"لا.. لكن هو سيجدك(وشوف يعمل فيك أيه؟)".

بعدما وصل القذافي إلى حكم ليبيا كان هذا الأستاذ أحد دكاترة جامعة بنغازي، الذين منحوا ثماني وأربعين ساعة لمغادرة ليبيا! وغادر بالفعل، ثم وصلتني منه رسالة من أمريكا، وتراسلنا فترة، ولم يطل الأمر حتى انقطعت أخباره، إلى أن شاهدت صورته على صحيفة الشرق الأوسط في بداية صدورها، وأسفل اسمه صفته التي تحدد أنه رئيس الجالية الإسلامية في استراليا! وحاولت الاتصال به ولكن من دون جدوى، فلقد تملكتني رغبة شديدة أن أعرف ماذا حدث لقناعاته؟

في آواخر سبعينيات القرن الماضي، في ليلة صيفية، سمعت طرقا على باب بيتي. فتحته لأجد المرحوم اطلوبه الريشي ومن خلفه شيخ يعتمر قبعة روسية التصميم، أو"الكلبك" كما نسميه في ليبيا، إنه الدكتور محمد على العريان الذي طرده القذافي بعد أشهر من وصوله سدة الحكم، بسبب أنه ملحد، ثم دعاه بداية الثمانينيات لمؤتمر عن الإسلام باعتبار أنه داعية إسلامي!
أمضينا ليلة دافئة وتحدثنا عن كل شيء خصوصا تجربته وعودته خاشعا يطلب حب الله ورعايته. قال:"مرضتْ صديقة مسلمة، عزيزة علىّ، في استراليا، وكنت أراها متبسمة طوال الوقت، منتظمة في فروضها. بعد مرضها امتنعتُ عن السخرية من التزامها مثلما كنت أفعل من قبل. وانتبهت أنها تهب لمن تعرفه، تحضنه، معبرة عن حبها له، قائلة:"الله كم انا أحبك.. وجميل أن تعرف هذه الحقيقة! ".

كانت تنثر الحب أينما حلت إلى أن رحلت. يوم عزائها شاهدت كل من يعرفها، الذين سمعوا منها كم هي تحبهم؟ كان حبها لهم يشع من وجوههم.. لم يكن حزنا أو عويلا، وإنما دفئا، وإحساسا بأنهم يحملونها معهم! عندها أحسست أن الله وجدني تماما مثلما قال عبد المطلوب. فلقد عرفت أن الطريق الحقيقي إلى الله،هو حب مخلوقاته،لا الالتجاء إليه وقت الضيق، بالرجاء والدعاء. لم يخطر ببالي أبدا أن الله محبة. ولم يخطر ببالي أن الحب أشمل بكثير مما نتصور!

وتعجبت كيف وصل بنا الحال حتى صار الذبح واجبا.. كالمحبة!

رحم الله الدكتور محمد على العريان، وصديقي المرحوم عبد المطلوب الريشي.