Atwasat

مُلكية الألوان

عمر أبو القاسم الككلي السبت 16 مايو 2015, 09:49 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

في حديث على الخاص في الفيسبوك أخبرتني صديقة من مدينة بعيدة أنها شاهدت صورا التقطت لي في مناسبة ثقافية، وأنها لاحظت أنني كنت أرتدي كنزة ذات لون أخضر! وسألتني في نبرة بدت لي جدية مطلية بالمزح:

- كيف ترتدي لباسا أخضر اللون؟!

وبغض النظر عما أجبتها به، إلا أن هذا الموضوع يثير استغرابي واهتمامي. وهو يفعل ذلك لأن هذا النمط من التفكير ينتمي إلى ذهنية"بدائية" تربط، بشكل انفعالي غير عقلاني، بين أشخاص وجوانب معينة في الحياة اشتهر عن هؤلاء الأشخاص تبنيهم لها. وبدائيته تتمثل في أن له صلة بمشاعر التطير ومعتقدات السحر.

أذكر أننا كنا في اجتماع في لجنة رسمية واستخدمت أنا في حديثي عبارة"فعالية"، فانبرت زميلة وصديقة مقاطعة بحزم مطالبة بنبذ مثل هذه الألفاظ التي تذكر بالنظام السابق

المشكلة أن هذا الربط سارٍ حتى بين المثقفين. أذكر أننا كنا في اجتماع في لجنة رسمية واستخدمت أنا في حديثي عبارة"فعالية"، فانبرت زميلة وصديقة مقاطعة بحزم مطالبة بنبذ مثل هذه الألفاظ التي تذكر بالنظام السابق. فأجبتها بهدوء بأنني لا أسمح لطاغية أن يصادر مني لغتي. بمعنى أن تجنبنا استعمال ألفاظ وعبارات ارتبطت بالنظام السابق يعني أنه انتصر علينا في بؤرة ذواتنا وأجبرنا أن نتخلى له على جزء من قاموسنا اللغوي. ومؤدى المعتقد السحري الخفي هنا أن ألفاظا معينة، إضافة إلى اللون، حلت فيها روح معمر القذافي، حيا أو ميتا، وأصبحت ملكا له وجزءا من كيانه، روحا وجسدا، وبالتالي فإن استخدامنا لها يعد ارتباطا، روحيا، به!

اللون الأخضر ليس من ألواني المفضلة التي أحب أن تكون حاضرة في ملابسي ومقتنياتي منذ أن كنت صغيرا، وليس بسبب ارتباطه بنظام معمر القذافي. لكن هذا لا يمنع بالطبع أن توجد في ملابسي، أحيانا، قطعة ذات صلة باللون الأخضر.

ما أريد قوله هو أنه مثلما أن اللونين الأبيض والأزرق ليسا ملكا لإسرائيل، وأن اللون الأحمر ليس ملكا للشيوعيين، وأن اللون الأسود ليس ملكا للفاشية أو الجماعات الإسلامية المتطرفة، وأن اللون الأزرق ليس ملكا لكتائب فرانكو الأسبانية والتنظيمات المشابهة التي تبنته في بقاع أخرى، فكذلك اللون الأخضر ليس ملكا لمعمر القذافي ونظامه.

أنا شخصيا ليست لديَّ حساسية حتى من استمرار بعض التسميات التي أطلقها النظام على بعض المؤسسات والمناصب، مثل اللجنة الشعبية(على أن تكون شعبية فعلا) والأمين التي هي ترجمة للفظ الأجنبي Secretary . ولست ضد حتى تسمية شارع باسم 1سبتمبر، أو أول سبتمبر. ذلك أنه مثلما أن تاريخ 24 ديسمبر يمثل تاريخ إنشاء الدولة الحديثة المستقلة في ليبيا التي أديرت من قبل نظام ملكي، أيا كان رأي كل شخص منا في هذا النظام، فكذلك نظام معمر القذافي مثَّل نهاية حقبة في التاريخ الليبي المعاصر وبداية حقبة من نوع آخر، مهما كان رأينا في هذه الحقبة.

ينبغي ألا نسمح بأن يصادر منا أحد جزءا من قاموسنا وألواننا، وأن نكون أيضا موضوعيين إزاء تاريخنا، أحببناه أم كرهناه.