Atwasat

الخوف من المجهول

محمد المغبوب الأربعاء 13 مايو 2015, 09:35 صباحا
محمد المغبوب

لست خائفا من أي شيء حولي، والحال هكذا، حيث الرصاص هو الصوت المسموع في الآذان والدم يسيل في السواقي الجديدة يحفرها حتى في الصخور وعلى الرخام اللامع لأرصفة بعض الشوارع حيث تضوع رائحة البارود وعرق المقاتلين ونفوس الذين على عمد يخونون الوطن كلا حسب أسلوبه وخارطة تكوينه النفسي.

لستُ خائفاً وقد أدمنت الخوف لوقت طويل. كان يأكل سنوات عمري على مهل تقريبا منذ أن صبت العزيزة والدتي في مسمعي حكاية(عزوز القايلة، والغولة، وبوسعدية) الذي(حوشه) لم أصله حسب خريطة الطريق للحكومة التي لا تسمع إلا صوتها فقط، ولا راشد غيرها حتى مع تغيير كراسيها في اللعبة إياها التي ملتها شعوب الأرض كافة.

لستُ خائفا من كليب الذي منع الصيد على مدى مملكته، ولا من جساس الذي ضرب أول طعنة لحرب القبيلة، ولا من الزير سالم وهو يشتهي القتل بأنف الثأر، ويتذوق الدم بلسان اليمامة وهي قد شارفت على سن الصبا بضفيرة وبروز صدرها الغض حتى صارت من أميرة إلى تابعة لعجوز هرم مازال اسمه الزير تطلب الناس رحمتهم وقد كبرت في الحرب أربعين عاماً، هذا لا يعني أنني ارتاح إلى وجه البسوس وقد لعبت دورها جيدا وكما ينبغي أن تكون للآخرين غانمة.

كيف أخاف وقد جُبلت على الخوف وأرى شبحه في الحجاج وهو يدك الكعبة بمنجنيقه، ويصلب ابن العوام أمام أمه أسماء ذات النطاقين ومطعمة الرسول في هجرته، أو وأنا أراه يتسلل لي من كتاب التاريخ لبني أمية الذين صاروا دولة بعد أن ناصبوا النبي أكبر العداء خوفا على تجارتهم أن تبور، وعلى نقصان ثروتهم من الزكاة، أو وأنا أطالعه ليلا كان يصول تحت قمره جنكيز خان ومن تلاه من طغاة أرى وجوههم في جرسياني وما شابهه من أمراء الحرب ورؤساء الغرب وليس أوباما آخرهم وساركوزي بوجهه الصفيق يمثل الجانب الآخر للعبة الدمار في وطني.

كيف أخاف وقد تعودت على الخوف سنيناً عديدة كل صباح يطل وجهي في مرآتي يشتمني ويصب سيلاً من السباب ودفقاً من الشتائم، يحمر لها جلدي وتركبني رعدة يوما بعد يوم صرتً انتشي بها، حتى إذا ما خرجت إلى الشارع وسبني أحد المارة أو لعنني شرطي المرور أو شتمني مديري، لا أغضب وأطلب من الله أن يهديه وكأنني أمارس دور بهلول الحي أو صوفي جليل، ولا أرد عليه إلا بالتقهقر إلى الوراء، فقد استمعت، لسلسلة البذاءة من وجهي في المرآة هذا الصباح، وقد اعتدتُ على الأمر وكل لغة للتحقير صارت قديمة ولا من جديد حتى على ألسنة شفاه الشباب الذي أراه يبحث عند مفترق الطرقات عن نفسه فلا يجدها.

لستُ خائفاً من يوم الأمس فقد مضى عني وأنا مازلتُ أتنفس ولستُ أدري حرصي على حياة كهذه ينقص فيها كل شيء ويكثر الخوف فيها أكثر مما يجب

لستُ خائفاً من يوم الأمس فقد مضى عني وأنا مازلتُ أتنفس ولستُ أدري حرصي على حياة كهذه ينقص فيها كل شيء ويكثر الخوف فيها أكثر مما يجب، ولا من يومي هذا الذي ساء عن سابقه فلا عمل لي ولا أمل ولا طعام إلا ما وضعته زوجتي في القدر من حصو أعلم أنه لن ينضج أبداً، ولا من يوم الغد فأنا كمسلم درويش لابد من الإذعان أنه ملك لرب العالمين ووحده من يقرر تحقيق أحلامي ووحده أيضاً من يقرر إبعادها عني، وهذه العملية الإيمانية أفادتني كثيرا فكل عنقود عنب لا تطاله يدي، أقول أنه ليس ما كتبه الله من رزقي، كذلك جعلني لا أمد عيني على كل ما هو ليس لي ولو نظرة بريئة خاطفة لفتاة جميلة وفي سري أقول(سبحان الله تبارك الله أحسن الخالقين) لئلا تسمعني وتتهمني بالتحرش فأكون بين يدي البوليس الذي أخافه جداً حتى وهو بزي مدني فقد خبرتُ تصرفه وأساليب فنون تعامله معي.

لم أعد أريد شيئاُ من حكومة تدرك تدابير نكدي وكيف تجعل حياتي تافهة وأنا حقير مع أنها تسمع كلمات تبجيلي لها وأحمد الله أنها لم تطلب مني يوما الركوع لها، فهي مكتفية بوقوفي أمامها صاغراً لا أطلب منها إلا أن لا تزيدني خوفاً منها، كما لا أريد من أي شيء حولي، إلا أن يتركني على وجهي هائما ما من وجهة لي وما من هدف ولا نية داخل ضلوعي كامنة تريد شراً لأحد، فقد تأكدتُ من أن العمر ماضٍ إلي قبرٍ وقد أجد هناك أمني فالله رحيم بي، وأن لا شيء سيدوم طويلا فقد فقدتُ أشياء كثيرة، منها وسامتي في عيون الآخرين وأحلامي التي ماتت في مهدها، وبعض من الأمنيات تخص الوطن هي الأخرى ذهبت أدراج رياح عاتية هبت من وقت إلى آخر لم أقبض عليها ولم تقتلعني لأنها زاهدة في هذا الذي بين ثيابي صامت.

لستُ خائفاً هكذا تحت الشمس أو تحت عتمة الليل أستمع إلى موسيقى المولد الكهربائي لجاري، وليس هناك من سببٍ وجيه يمكنني أن أقنعكم به، فكل شيء تساوى مع أي شيء أمامي وسط فوضى عارمة تتقافز فيها الأجساد برشاقة فائقة تسعى هنا وتمضي إلى هناك لا هدف لها إلا القتل بين من يريد أن يستمر حاكماً وبين من يريد أن يجلس على كرسي الحكم ويفعل ما يريد تحت أصوات لعلعة الرصاص وانفجار القنابل وسقوط الصواريخ من سماء كأنني لم أرفع يدي إليها راجياً وداعياً بخشوع الأنبياء أن تدوم لي بلادي خالصة لأهلها فقط، وقد غطى دخان البارود المدى وحجب عني كل شيء حتى أنا.

حتى أني لم أعد أرى الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ولا أعلم ما ستأتي به الشمس من خلفها بجديد، فقد شوشت الأخبار رأسي الصغير وتاهت بين الأقاويل وما يتفوه به الساسة على الشاشات لستُ أدري الصادق، والكذاب الأشر، ومن يكذب على من ولمصلحة من والجميع يكبر اسم الله تعالى فكل ما أحصل عليه هو الخوف المضاف.

لستُ خائفاً من المذيعين ومقدمي البرامج وهم يدسون الخوف بين الكلمات، أو وهم يشهرون السلاح في وجهي، ومن كل هذا الذي يحدث بين يوم ٍ وآخر تهدم معاوله بناء قديما وتحفر بمخالبها أخاديدَ في وجه روحي وتشق مساربَ لمزيدٍ من الدم، وتقيم المقابر في كل مكان وكلٌ شهداء عند الله!

لستُ خائفا من ثقافة الخوف واستسهال القتل ورفع السلاح في وجه من يقول للوطن(صباح النور) وهذا ليس جبناُ مني، فقد عاركتُ الحياة كثيراُ ووقفتُ في خطوط النار، ورأيتُ الخوف في عيون الأطفال والرجال والنساء القارورات، وعدتُ لستُ فرحاً بعودتي فقد استلمتني الكوابيس شهوراً حتى تغلبتُ عليها بفناجين القهوة ولفائف التبغ صائلاً بين العاشقين في بطون الكتب ودخلتُ حياتي البايلوجية من باب الزواج فكان أن ازداد خوفي على الزوجة وعلى الأبناء وعلى راتبي الشهري والتقاعدي الهزيل.

ما زلتُ خائفاً حتى من سيقرأ سطوري هذه ومن سيعلق عليها مهددا ومتوعدا شاتما يحشرني في خانة هو يريدها لي متربصا بي. لستُ خائفاً حتى من إكمال هذه السطور، بل أنا في غاية الرعب من غياهب هذا الواقع المجهول، مع ذلك كما صرتُ الآن أخافني أكثر مما ينبغي ويجب وصرت مرعوبا من كل شىء.