Atwasat

الفاتح بم.. بم!

محمد عقيلة العمامي الأربعاء 13 مايو 2015, 09:33 صباحا
محمد عقيلة العمامي

"مكتبة جرير ليست مجرد مكتبة!"... هكذا كان يعلن عنها، ولعلني بسبب هذا الإعلان الذي يحتل مكانا بارزا في مدخلها بمعرض القاهرة للكتاب كنت أتجنب المرور على رفوفها، خصوصا بعدما انتبهت إلى أن عناوينها تكاد أن تكون كلها تلك التي تريد أن تعلمك كيف تكسب الأصدقاء؟ وكيف تنجح في إدارة أعمالك؟ ولست متأكدا إن كان الكتاب الذي يرشدنا كيف نصبح مليونيرات؟ وجدته في رف من أرففها أم لا؟.

مثل هذه المواضيع لا تستهويني، فمن يقتنع بكلام من يريد أن يعلمك كيف تصبح مليونيرا، وهو على باب الله؟ معظم إصداراتها مترجمة، تتحدث عن سلوك وعلاقات الإنسان الاجتماعية. وقد وقع في يدي، باديء الأمر، كتاب من إصدارات هذه المكتبة، لفت انتباهي عدد طبعاته، وعنوانه:"نجاحات عظيمة يومية" وهو مقالات متنوعة جمعها المحلل(ستيفن كوفي) أعترف أني استمتعت، واستفدت كثيرا منها، ومنها صارت منشورات مكتبة جرير تستهويني وصرت متابعا لإصداراتها أول بأول.

من الدورة الماضية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، اشتريت من مكتبة جرير كتابا مترجما، نشر سنة 2005م عنوانه:"الأطفال يتعلمون ما يعايشونه" وهو عبارة عن تجميع لعمود شعري أسبوعي تواصل نشره منذ سنة 1954م وحتى سنة 1998م! طبع منه ثلاثة ملايين نسخة وترجم إلى 18 لغة!

وموضوع تأثر أطفالنا بما يعايشونه، الآن في ليبيا،لا يقلقنا نحن فقط، وإنما يقلق العالم كله، وانتبهت بجدية لحالة الطفل الليبي، منذ أن غادرت بنغازي السنة الماضية؛ فقبيل مغادرتي رأيت محمد، ابن صديقي المرحوم خليفه الفاخري، الذي عادت به أسرته بعد أن قضى سنوات في مركز لعلاج التوحد بالأردن. كان محمد يدور بساحة البيت، ملوحا بقبضته، وهو يردد:" الفاتح بم.. بم!!". محمد غادر ليبيا، قبل ثورة 17 فبراير،عندما كان يستقبل يومه بالفاتح وينتهي بالهتاف له! وبعد عودته صار يستقبل يومه بالقصف وأصوات القنابل:"بم .. بم" فخلط الحالتين، وجعل منهما ترنيمة يومية!

هكذا حال الأطفال يتعلمون مما يعايشونه، هكذا حال محمد الذي صار شابا، فما بالك بالأطفال؟ أطفال بنغازي على وجه الخصوص؟

من الكتاب الذي ذكرته، أنقل إليكم"معني" لنص شعري يقول:

"يتعلم الأطفال إطلاق الأحكام عندما يترعرعون في بيئة تكثر بها الانتقادات..
والمشاغبة يتعلمونها من مناخ العداء..
والخوف يورثهم القلق..
والتشجيع يعلمهم الثقة في النفس
و الإنصاف يعلمهم العدل..
ومن المسامحة يتعلمون الصبر
أما الأمان! إذا ما أحاطهم نشأوا على الثقة بأنفسهم، وبمجتمعهم!"

الأمان وليس"البم.. بم" فأوقفوا نيرانكم، وإلاّ ستفقدون أجمل ما في الحياة.. ذلك إن كنتم تعون معني الحياة؟

قل لهم- يا سيادة المفتي المنتهية صلاحيته!- أن يوقفوا قصفهم العشوائي، وتذكر أنت،وذكرهم: إن السماء تراك إن كنت لا تراها.. فاتق الله في أطفالنا الذين يغنون"بم .. بم" وصاروا يرحلون إلى خالقهم وهم نيام!

"بم .. بم .." يا سيادة المفتي!