Atwasat

الجزائر: اتقِ شرَ من أحسنت إليه

أحمد الفيتوري الثلاثاء 12 مايو 2015, 09:24 صباحا
أحمد الفيتوري

( 1 )
كانت ليبيا كما الصفا والمروة لحجيج المغرب العربي، في بيتنا في طفولتي أعرف أن موسم الحج هلَّ من خلال عجوز جزائرية، لأكثر من مرة حجت وفي كل مرة أثناء ذهابها إلى الأراضي المقدسة وإيابها كان بيتنا مُستراحها حتى تملَ فتغادرنا، كانت جدتي لأمي تحتفي بها وتُسميها الحاجة" الدزايرية " وكنت كما أحب جدتي أحب هذه الحاجة، فيما بعد وفي منطقة"الكويفية " القرية المجانبة لمدينتي بنغازي، أقيم معسكر لتدريب رجال المقاومة الجزائرية، وكانوا يتسوقون من حي دكاكين حميد في شرق المدينة حيث بيتنا ودكان والدي ما يتسوق منه فدائيو الجزائر، وكنت أرى أنهم يعاملون كأبطال الأساطير، يغفر الناس ذنوبهم بل ويزودنهم بما يحتاجون مجانا وعلى الرحبة والسعة. ومن هذا ظلت جزائر الليبيين فوق الجميع يحبونها أكثر مما يفعلون مع بلادهم، وهذا أمر يمكن مُطالعته من الصحف الصادرة حينها وممن عايش المرحلة، وبقي هذا حتى يومنا هذا.كيف قابل الجزائريون هذا شعبا ودولة وسُلطات؟

(2 )
عقب تحرير الجزائر 1962 م لم تكن الدولة التي سيطر على السلطة فيها جبهة تحرير الجزائر بقيادة أحمد بن بيلا(المغربي الأصل)، على وئام مع الدولة الليبية الملكية الرجعية عند قيادة الجزائر تلك، كما لم يحدث أي اهتمام بالليبيين من قبل الشعب أيضا من كان مهوسا بمصر عبد الناصر، ذا الجفاء في العلاقات زاده تحسن في العلاقات بين ملكي المغرب العربي إدريس السنوسي(الجزائري الأصل) والحسن الثاني من دخل في حرب مع الجزائر عقب تحررها.

في هذا المؤتمر شارك قائد الانقلاب معمر القذافي وعاد القذافي بقطيعة مع الملك المغربي، وبالمقابل ذهب القذافي في زواج كاثوليكي مع السلطة الجزائرية بقيادة هواري بومدين ومن خلفه

عقب الانقلاب العسكري سبتمبر 1969م في ليبيا عقد في ديسمبر من ذات السنة مؤتمر للقمة العربية، في هذا المؤتمر شارك قائد الانقلاب معمر القذافي وعاد القذافي بقطيعة مع الملك المغربي، وبالمقابل ذهب القذافي في زواج كاثوليكي مع السلطة الجزائرية بقيادة هواري بومدين ومن خلفه، القذافي كان يعتبر نفسه الوريث للقومية العربية بعد موت رائدها- كما يشاع- جمال عبد الناصر من منحه لقب أمين القومية العربية، وفي اندفاعه وهوسه بهذا اللقب واجه إحباطات وعادة ما كان يواجهها بالتهكم والسخرية، فمثلا كتب برقية إلى جعفر النميري حين رأى أنه خذله، كانت البرقية من جملة واحدة :"سامحكم الله"، وحين حصل له أمر مماثل مع أنور السادات ملأ الشوارع بيافطات مضيئة مكتوب عليها:"اتق شر من أحسنت إليه"، وفي مرة كان عائدا من زيارة رسمية إلى الجزائر، قبيل وفاة الرئيس هواري بو مدين من أمر جيشه باحتلال قطعة من الأراضي الليبية في الجنوب عند منطقة"حاسي مسعود"، وقد علم القذافي بهذا وهو في الطائرة، لم يفعل شيئا حتى لم يعلق، فقط نُشر في صحيفة واحدة ليبية الخبر ولمرة واحدة ليس إلا، وعقب وفاة بومدين نشرت له في أشرطة خطب لم تذع قبلا جاء فيها شتائم مقذعة للقذافي، مرة بعدها في عهد بن جديد أذيع في النشرة المرئية الليبية فقط مؤخرة بن جديد وهو يدخل الطائرة في خبر عن مغادرته البلاد.

(3 )
جميع المتابعين يعرفون موقف الدولة والسلطات الجزائرية ووسائل الإعلام من ثورة فبراير الليبية، هذه الثورة الشعبية التي قوبلت بالرفض وبتعاون مستتر حينا وصارخ أحيانا مع القذافي في حربه ضد الليبيين، وحتى الأوساط الجزائرية الشعبية نظرت لثورات الربيع العربي ومنها ثورة الليبيين بعين رافضة منذ اللحظات الأولى، لم أجد المسوغ للموقف الشعبي ولا النخبة الجزائرية، رغم ما حاولته جاهدا مع نفسي لوضع المبررات لتسويغ ذلكم الموقف.

في الأيام الماضية كنت أشاهد حلقة من برنامج( النقاش المغاربي ) في محطة فرنسا 24، وكان يشارك في الحلقة ثلاثة صحافيين جزائريين، وقد اختلف ثلاثتهم أغلب الوقت الذي استغرقته الحلقة، أما في ختامها عند تناول الشأن الليبي فقد حدث انقلاب بــ 180%، واتفقوا على لا شرعية برلمان طبرق، وأنهم ضد المليشياوي خليفة حفتر، وأنهم مع المؤتمر الوطني وحكومة طرابلس الشرعية، مبررين ذلك أن المحكمة الدستورية حكمت بعدم شرعية برلمان طبرق وحكومته، وأن الاعتراف الدولي به يبين أنه صنيعة غربية تعزز تدخل الغرب في ليبيا.

هذا الموقف مشترك بين المعارضة والسلطة الجزائرية التي تستقبل عبد الحكيم بالحاج، كما الحفاوة التي استقبلت بها أسرة القذافي بانحياز ظاهر ومراد إبرازه، أحيانا تظهر السلط الجزائرية وكأنها تريد من البرلمان وحكومته ليس القبول بـ"بالحاج" وجماعته وحلفائه بل واعتبارهم هم أصحاب ليبيا، وأن البرلمان خارج عن الشرعية.
لماذا يتم ذلك من قبل الجزائر؟

(4)
لقد أشرنا فيما سلف إلى العداء الذي وسم الجزائر ذات الهوية القلقة تجاه جارتها المغرب وعدم الوئام مع ليبيا، ونذكر بالعلاقات السيئة أو على الأقل غير المتوازنة مع مصر، فالجزائر لم تقبل بمحيطها، الجزائر-الشعب والحكومة- وسمها التطرف في كل تاريخها الحديث، كما وسم ثورتها التحريرية معارك دامية داخل فصائلها، وفيما بعد داخل جبهة التحرير الجزائرية وسلطاتها المتتابعة، وحقبة الإسلاميين الجزائريين هي أم الإرهاب الإسلامي بكل تنويعاته، الجزائر المليون شهيد لبستها روح الشعب المقاتل من لا مثيل له، وزادها النفط، فأرادت السيطرة وقيادة العالم الثالث وليس القومية العربية أو الوحدة الافريقية فحسب، وبهذا وما شابه اتسمت سياساتها الملتبسة باستراتيجية قتالية، في هذا واجهت مع ليبيا خصما مُماثلا، طموحه أكبر من إمكانياته، فاصطدمت به هو من يشوبها نحوه حكومة وشعبا ثقل تاريخي بالجميل فكانت خصومة مُربكة ومُعيقة، في فترات ظهرت بينة في صراع مسكوت عنه حول النفوذ في تونس التي بدورها تحسب كل حساب لجارتها لكبرى الجزائر، وإن كانت تونس صاحبة أطماع في ثروة ليبيا منذ عهد بورقيبة(الليبي الأصل) فإنها كذلك تحت حكم الضرورة في الاستعانة بالجارة الليبية لتخفيف وطأة القوى الجزائرية الراغبة في الاستحواذ على ما تُبقي لها فرنسا من نفوذٍ في المغرب العربي خاصة تونس.

الجزائر مُحملة بأوهام التاريخ العنيف والجغرافيا الفقيرة تتمدد في محيطها بقوة داخلية قاهرة، بمعنى أنها تتمدد خارجا كي تخرج شيئا من عنف الصراع الداخلي على السلطة ما حكمها منذ استقلالها. وهذا يعنى أن الموقف من ليبيا وثورتها موقف دوافعه تاريخية والمشكل الداخلي، إضافة إلى أن الجزائر تريد وترغب في زحزحة مصر إلى المشرق وحصرها هناك بعيدا عن المغرب العربي، وإن كانت مصر جارة رئيسة لليبيا فإن الجزائر تريد على الأقل نفوذا في غرب ليبيا وعندها لا بأس بالنفوذ المصري في مشرقها. ومن هذا كأنما ليبيا بلدان في الوجدان الجزائري، كل جزائري هواه ليس ليبيا للأسباب التي ذكرت لكن نفوذه يطال ليبيا الغرب إذا لم يكن مما ليس منه بُدَ، ليبيا الملكية واجهت بالانكماش التمدد الجزائري، القذافي واجهه بالتمدد بعيدا عن النفوذ الجزائري أو معه، الفرصة التاريخية الحالية جعلت ليبيا مقسمة كما ترغب وتتمنى الجزائر، وعليه فإن اللعبة الآن جوكرها عند الجزائر لكن لسوء حظها جاءتها الفرصة وحاكمها رجل ميت.