Atwasat

الغرياني وفتاواه «الكهربائية»

أوسمان بن ساسي الإثنين 11 مايو 2015, 10:48 صباحا
أوسمان بن ساسي

«لجنة الحقيقة والمصالحة» تأسَّست في جنوب أفريقيا، لتسدل الستار على الحرب الأهلية والمجازر التي اُرتُكبت بين الأقلية البيضاء والأكثرية السوداء، وترأَّس اللجنة، التي تهدف إلى تحقيق المصالحة الوطنية بين الجناة والضحايا، كبير الأساقفة ديزموند توتو، وتشكَّلت أثناء ولاية الراحل نيلسون مانديلا.

في المقابل نجد أنَّ معرقلي المصالحة في ليبيا والمحرِّضين على العنف والاقتتال، باختلاف اتجاهاتهم السياسية والدينية، يذهبون إلى عكس ما فعله مانديلا وكبير الأساقفة ديزموند توتو، يحاولون بشتى الطرق وضع حجر عثرة أمام أية مبادرة نحو التصالح بين المدن والأطراف السياسية.

وهذا ما ظهر جليًّا في مقالة الشيخ الصادق الغرياني، يوم الاثنين الموافق 4 مايو 2015، التي جاءت تحت عنوان «عودة الظلام للعاصمة»، ولست متأكدًا هل لا يزال مفتيًّا للديار الليبية أم أنَّه أُقيل، أو ربما حدث لدار الإفتاء، كما مصرف ليبيا المركزي وديوان المحاسبة والوكالة الليبية للأنباء والمؤسسة الوطنية للنفط، أنْ قسمت بين شرق وغرب ليبيا، والمسؤول عن هذا لا شك الفريق الذي غزا طرابلس بعد أنْ فشل في الانتخابات، وأعاد مؤتمر الأمر الواقع ليمنح الثقة لحكومة بواحدٍ وعشرين صوتًا، ما يرشحها لدخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية.

على كل الأحوال، سواء كان مفتيًّا أم لا، فاسمه بدأ يتردد بين أروقة أكبر المؤسسات الدولية، مقيدًا على قوائمها السوداء.

وهذا ما أشار إليه مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، إبراهيم الدباشي، الأسبوع الماضي، حول وجود قوائم لدى كل من مجلس الأمن الدولي ومحكمة الجنايات الدولية بأسماء مَن ثبت عرقلتهم العملية السياسية في البلاد، وعلى رأسهم الصادق الغرياني، بالإضافة إلى أحد أبرز أمراء الحرب صلاح بادي، ورئيس حزب «الاتحاد من أجل الوطن» عبدالرحمن السويحلي.

السؤال الذي يخطر لقارئ هذا الكلام المستفز مباشرة: لماذا يقف الغرياني ضد المصالحة الوطنية ولا يدعم الجهود الرامية إلى التهدئة والصلح؟!

مقالة الغرياني بدأت بالحديث عن ما سمَّاه «الواجب الشرعي حيال مشكلة انقطاع الكهرباء» وطرح الأحمال في عدد من المدن الليبية، بعد أنْ استوقفه سؤال أحد المواطنين عن حكم مَن يوصل التيار الكهربائي من جهتين، عند انقطاعه ساعات طويلة عن طريق ما يسمى (مفتاح قلّاب).

فأجابه، بعد إطناب طويل، ثم ختم باستدراك، وقال: «السؤال الذي من حق كل مواطن أنْ يسأله، لماذا رجع الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي الآن فقط بعد الاتفاق على الهدنة والمصالحة في المنطقة الغربية»؟، في إشارة إلى المصالحة التي جرت بين لواء الحلبوص ومنطقة ورشفانة!.

وتابع: «ليعم الظلام الدامس العاصمة من جديد، بعد أنْ تخلصت منه بفضل الله عقب خروج العصابات من طرابلس، هل عاد قُطَّاع الطرق للعمل تحت غطاء الهدنة وحقن الدماء؟!».

والسؤال الذي يخطر لقارئ هذا الكلام المستفز مباشرة: لماذا يقف الغرياني ضد المصالحة الوطنية ولا يدعم الجهود الرامية إلى التهدئة والصلح؟!

لماذا يعتقد أنَّ واجبه يتطلب منه وضع العصا في الدواليب وعرقلة وقف الاقتتال؟!

لا سيما أنَّه ذهب إلى مدينة مصراتة وحاول أنْ يثني شباب لواءي الحلبوص والمحجوب عن مصالحتهم مع ورشفانة بحجة أنَّ هذا الإجراء يجب أنْ يُمرَّر تحت ولاية المؤتمر الوطني العام غير الشرعية، ولم يستمع له أحدٌ ومضوا في مصالحتهم، وحسنًا ما فعلوا، على أنْ تعمم هذه المبادرة في مدن ليبيا كافة؛ لتخفيف الخسائر في الأرواح والبنى الاجتماعية، ويتم الاتحاد بين قوات عمليتي «فجر ليبيا» و«الكرامة» ليوجهوا سلاحهم إلى طرف واحد وهو الإرهاب المتمثل في «داعش» وأخواتها.

ولكن هذا يتطلب إرادة حقيقية كما حدث في جنوب أفريقيا، لا أنْ تضرب جهود المصالحة ويقفز على نتائج الحوار، بتحركات عسكرية من قبل قوات «الكرامة» رغبة في السيطرة على العاصمة طرابلس، وإعادة سيناريو الدمار وتشريد أهالي العاصمة من جديد، كما حدث العام الماضي من قبل عملية «فجر ليبيا».

على الرغم من نكوص المؤتمر على عقبيه في محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة، واشتراطه الرجوع إلى التشريع من جديد، فإنَّ المفاوضات لم تنتهِ بعد، فما يحلُّ بالتفاوض، من الانتحارِ محاولة حله بالعنف.

لعل ما قاله مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة إبراهيم الدباشي الجمعة الماضي استباق لنتائج الحوار ولا يخدم المصالحة على الأرض، فتحذيره من أنَّ عدم إحراز تقدُّم في محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة قد يدفع حكومته إلى «اتخاذ الخطوات اللازمة حتى وإن كانت السيطرة على العاصمة بالقوة» لا يخدم جهود المصالحة بين المدن والأطراف على الأرض.