Atwasat

وعادت الرولكس مرصعة!

محمد عقيلة العمامي الأربعاء 06 مايو 2015, 10:24 صباحا
محمد عقيلة العمامي

بامتداد ستينيات القرن الماضي كانت ساعات(الهرمز، الجوفيال، الرومر،والتيتوس) هي الشائعة شعبيا في ليبيا،(الرولكس والأوميغا ) كانتا حاضرتين ولكن بخجل، باعتبارهما من الساعات الثمينة التي لا يراها المرء إلاّ في معاصم الأثرياء. في 30/5/1964م انطلقت إذاعة الشرق الأوسط(الإعلانية) من القاهرة، فانتشرت معها إعلانات مركزة عن ساعة اسمها(سيتزن) اليابانية، لدرجة أنها صارت موضوعا خصبا للنكت! ولكننا لم نر، حينها، هذه الساعة في ليبيا.

بعدما وصلت الجامعة سنة 1967م عملت مع الأستاذ الفاضل، حامد الحضيري كموظف مبيعات بالوكالات التجارية المتحدة، والحقيقة لم يكن عملا بقدر ما كان مدرسة تعلمت منها ما أفادني في حياتي العملية. في الوكالة اكتشفت أن ساعات سيتزن كانت من الماركات التي تمثلها الوكالة، وتسوقها في بنغازي، وذهلتُ من حجم توريداتها وعلمتُ أنها تدخل البلاد في صناديق خشبية، لتصل مصر في الصناديق نفسها! وفي زيارة مندوب الشركة أهداني ساعة سيتزن، ظللت أتباهى بها طوال سنوات الجامعة.. بل وحتى زمن الساعات الرولكس الذهبية في ليبيا!

ثلاث سنوات سبقت وضوح الوجه الحقيقي لمشروع القذافي، وهي التي وضحتها بمقالة سابقة عنوانها(سنوات الرولكس الذهبية). خلال تلك الفترة ألهى القذافي الناس بفتح خزائن البلاد للمقاولين الجدد الذين عرفوا طريقهم نحو هيئة الأشغال العسكرية، وعرفوا كيف يتقربون من مسئولين في عز شبابهم، مفعمين بالحيوية، مأخوذين بالسلطة والجاه، تولوا مناصب من دون خبرة حقيقية في مجال لا يمكن ضبط حجم الإنفاق فيه، من دون مقدرة فائقة قادرة على كبح رغبات النفس البشرية! ولكن القذافي، الذي اكتشفنا، فيما بعد، أنه يخطط للشر من بدايته، لم ينتقِهم صدفة، فهم شباب متحمس، حديث التخرج من كليات عسكرية تُعلم طاعة الأوامر، وهذا ما كان يحتاجه.

وتمكن المقاولون الجدد، ومستشاروهم الشطار في مثل هذه الأعمال، لعل اللبنانيين أبرزهم، وبعض المخضرمين والمدّعين، والحذاق من الوصول إلى نقاط ضعفهم.. فمنهم من كانت الأنثى غايته، ومنهم من كان المال همه، ومنهم من كانت دغدغة غروره وتيهه هي مفتاحه. ولكن من الإنصاف الإقرار بأن الكثيرين منهم، كانوا مدفوعين بشعارات خدعهم بها القذافي، وأخذ يراقبهم، وهم مشغولون بالمشاريع ينتقي منهم من يحكم أمنه وينفذ مخططاته، فيقربه ويغدق عليه وأحيانا يكسر خاطره! حتى يصير دمية في يديه.

فتح البنوك على مصراعيها تمنح تسهيلاتها الائتمانية، وصارت الأشغال العسكرية كمغارة على بابا!!

فتح البنوك على مصراعيها تمنح تسهيلاتها الائتمانية، وصارت الأشغال العسكرية كمغارة على بابا!! لا يحتاج لمن يدخلها إلاّ لقدرته على حمل ما يستطيع من كنوزها... كانت بعض المشاريع حقيقية، وإن كانت تكاليفها مبالغا فيها.. وكانت مشاريع أخرى وهمية.. لا وجود لها إلاّ على الورق! وكثر المال في أيدى تلك الفئات، وتسارعت حركة البلاد التجارية، وأعلن عن مشاريع التطوير العمراني وكُلفت البنوك بتمويلها.. وكثر المال في أيدي الناس، وصارت تأشيرات السفر إلى أوربا ميسرة للغاية.. وتسابقت شركات الطيران على تسيير رحلات منتظمة يومية من بنغازي وطرابلس مباشرة إلى باريس ولندن وروما!! فعَمَر رجال مُعمر النوادي الليلية.. ولم يستطع أحد من أثرياء النفط مجاراة الليبيين في الإنفاق، لا فوق رؤوس الراقصات، ولا على موائد القمار.. خصوصا في لندن.. وأشهد أنني شاهدت بعيني مقاولا ليبيا خسر في ساعات، على منضدة واحدة نصف مليون جنيه استرليني، وأصّر أن يدعوني لمشاركته عشاءه في مطعم فندقه الفخم، وظل يضحك و( ينكت ) ويغازل مضيفات المطعم، ويغدق عليهن بالإكراميات وكأنه هو الكاسب!

وصار فندق هيلتون لندن، وكأنه ناد لليبيين، وببهوه محل جوهرجي، يملكه يهودي من أصل عراقي.. تخصص في عرض ساعات(الرولكس) الشهيرة، التي طورها لتصير من الذهب الخالص، ثم تفنن في ترصيعها بالألماس.. فصار شراء رجل الأعمال الليبي لساعة منه، ومعها خاتم بماسة بحجم بيضة(البوبريص) وكأنه أمر مقرر على النزلاء الليبيين، الذين تباروا في شرائها، ثم خلعها من معاصمهم، وإعطائها- مشفوعة بالطلاق ثلاثي– إلى أي مسئول في الأشغال العسكرية، أو في البنوك يبدي إعجابه بها! وفيما كان الناس مشغولين بساعات الرولكس، والمال والأعمال، كان القذافي يحكم قبضته على البلاد، ولعل قوة هذه القبضة، بانت عقب خطاب زوارة الذي حل بموجبه سلطة مجلس قيادة الثورة وكذلك تعطيل القوانين، غير أن شراسة النظام اتضحت في 7ابريل 1976م بمداهمات شرسة شملت المجتمع الليبي كله! فاختفت ساعات الرولكس، وصارت تهمة، وعادت الساعات اليابانية إلى السوق الليبي، وتراجعت السويسرية؛ ليس من ليبيا فقط، ولكن من السوق العالمي، بسبب هجوم الساعات الصينية!.

أول مرة، رأيت ساعة رولكس مرصعة بالألماس، هي تلك التي خلعها( أنطوان ) اللبناني من معصمه وأقسم لمدير بنك في سهرة أن يأخذها بمجرد أن قال له ذلك المدير: أنها المرة الأولى التي يرى فيها ساعة مرصعة بميناء أخضر اللون! تذكرت تلك الحادثة بعدما قرأت أن لبنانيا( سويسريا) اسمه(نقولا الحايك) هو الذي أنقذ صناعة الساعات السويسرية من التراجع الخطير بسبب المنافسة الآسيوية، فبحلول سنة 1982م أفلس 300 مصنع سويسري، وسُرح حوالي 50 ألف عامل من وظائفهم! فابتكر لهم ساعات(سواتش) التي بيع منها أول ظهورها أكثر من 60 مليون ساعة، وتطورت بألوانها وتصاميمها الزاهية ورخص أسعارها، فأنقذت سمعة بلد الرولكس، التي يقال أنها تعمل جاهدة لاستقطاب 11 ملياردير ليبي ظهروا بعد ثورة 17 فبراير 2011م. أحدهم اشترى ساعة رولكس نسائية مرصعة بخمسة وعشرين ألف يورو، سددها من بطاقته الائتمانية!

فأهلا بعودة الرولكس بعد أن ترصعت بالأحجار الكريمة جدا!