Atwasat

أهمية ملف الهجرة غير الشرعية في مسودة ليون

أحمد مصطفى الرحال الأحد 03 مايو 2015, 09:20 صباحا
أحمد مصطفى الرحال

خطورة الأزمة الليبية تظهر علاماتها من خلال مسودة الاتفاق السياسي التي أرسلتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لكن هذه العلامات لم تعد مجرد إشارات إلى أن الأزمة داخلية فقط بل إنها مؤثر قوي على الوضع الإقليمي والدولي من خلال حوض المتوسط وتداعيات الأزمة على أوروبا.

الناظر إلى المسودة قد يلحظ حلولا عامة من الممكن أن يقترحها أي متخصص ومتابع للحالة الليبية، لكن هناك في المباديء الحاكمة التي جاءت في أول المسودة اثنان وعشرون مبدأ، ونجد في المبدأ العشرين منها ما يلي:

"الالتزام بالعمل على محاربة الاتّجار بالبشر والهجرة غير الشرعية من خلال تضافر جهود الدول المعنية وبالتعاون الوثيق مع المجتمع الدولي والدول المجاورة مع التأكيد على احترام قواعد القانون الدولي ذات الصلة".

طريقة وضع هذا المبدأ في الترتيب لا يبدو معها المبدأ ذا أهمية كبرى، بينما المتابع لوسائل الإعلام الغربية، والأوروبية تحديدا، يرى أنه المبدأ الأهم بالنسبة لأوروبا، لأن موضوع الهجرة غير الشرعية يمس أمن أوروبا بشكل مباشر، كما يؤثر على قيم تتبناها في عالمها الحر الذي يجعل مسألة حقوق الإنسان مسألة جوهرية يحرجها خرقُها.

من جهة أخرى، يسبب هذا الملف لأوروبا وأمريكا أيضا حرجا كبيرا كونهم لا يهتمون بحل الأزمة إنسانيا، بل يهتمون فقط بحل الأزمة حتى لا يبقى موضوع الهجرة مهدِّدا للأوضاع الأمنية والاجتماعية والسياسية في أوروبا.

غَرَقُ مئاتٍ من البشر في الفترة الماضية أثناء قيامهم بهجرة غير آمنة عبر المتوسط كان شبيها بالقشة التي قصمت ظهر البعير، وكان الحادث بمثابة الحد الفاصل الذي أوجب حتمية التفكير عمليا لحل الأزمة جذريا.

فالقارب الذي حمل ما يزيد على سبعمائة شخص، غَرِقَ معظمُهم، جاء من السواحل الليبية

فالقارب الذي حمل ما يزيد على سبعمائة شخص، غَرِقَ معظمُهم، جاء من السواحل الليبية، وقد جاء في تداعيات الحادث اتفاقٌ أوروبيٌ على حل الأزمة جذريا من خلال التعامل مع سواحل الانطلاق بدلا من الاقتصار على سواحل الاستقبال في أوروبا فقط. وقد ناقشَ الاتحادُ الأوروبيُّ، بشكل عاجل بعد الحادث، الأمرَ واقترح وضعَ خطةِ عملٍ عاجلة من عشر نقاط، وبحث قادة الاتحاد الأوروبي إمكانية القيام بعمليات عسكرية ضد المتاجرين بالبشر عبر المتوسط، وركزوا على كون الهجرات لا تنطلق إلا من السواحل الليبية.

مشكلة أوروبا أنها اعتبرت ملف الهجرة غير الشرعية من ليبيا سببا أوليا للتدخل عام 2011 من أجل إنهاء نظام القذافي الذي كان يضغط على أوروبا من خلال تسهيل الهجرات غير الشرعية عبر ليبيا، لكن هذه الأزمة استمرت في التصاعد بشكل مزعج وفاضح بعد نهاية نظام القذافي ومع حلول الفوضى في ليبيا، وها هي أوروبا الآن تجد نفسها مجبرة على البحث عن حلول منطقية وعاجلة وحقيقية لهذه الأزمة.

إذن لا يمكن اعتبار المبدأ رقم عشرين مجرد نقطةٍ ضمن مبادئ حاكمة في المسودة، بل هو في الحقيقة يشكل أولوية تحاول الأمم المتحدة من خلاله تجنيب ليبيا أي تدخلات عسكرية أوروبية.

وبالتالي يتضح سبب وضع مبدأ محاربة الهجرة غير الشرعية بعد مبادئ تراها بعثة الأم المتحدة الأهم حتى يتسنى حل هذا الملف، لأن المشكلة في ليبيا ليست قاصرة على هذا الأمر، بل إن الهجرة غير الشرعية تعتبر من تداعيات الأزمة عموما، وبالتالي فإن الحل لا يكون إلا بعد أن تستقر الأمور في ليبيا وتتأسس دولة يمكنها أن تتعاون إقليميا ومتوسطيا ودوليا لحل هذه المعضلة.

ثم إن هذا المبدأ يأتي ضمن مبادئ تأتي من خلال حوارات ليبية- ليبية تشرف عليها بعثة الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي يجب أن يثير أسئلة منطقية لدى الليبيين حتى تنتهي الأزمة بشكل عام وبأسلوب عملي بعيد عن التصعيد والاستمرار في الحرب الأهلية التي لن تجعل المستقبل القريب إلا نهاية مأساوية تغرق ليبيا أكثر في حالة التخبط والفوضى التي لن يتضرر منها إلا الليبيون.

من تلك الأسئلة:
هل سيبقى النقاش الليبي النخبوي دائراً في حدود تعريف ما يجري إن كان حوارا أم تفاوضا؟

إلى متى ستبقى دائرة الصراع في حدود أيهما الأولى بالشرعية، المؤتمر أم البرلمان؟

لماذا لم يكن هناك حضور للملف الليبي في الإعلام الغربي بشكل مكثف قبل حادث غرق القارب المنكوب؟

هل هناك فعلا مؤامرة على ليبيا دوليا أم أن المشكلة فعلا تكمن في عدم تنازل أطراف النزاع من أجل استقرار البلد؟

وهناك أسئلة كثيرة تدور في الأذهان وتتشابك حولها علامات الاستفهام لتجعلها مسألة معقدة على الرغم من كونها قد تكون مسألة سهلة وسريعة الحل إن توفرت الإرادة الحقيقية.

وللإجابة على تلك الأسئلة لابد من أن يراجع كل طرف من أطراف النزاع نفسه وملفاته ومواقفه، فمن العيب أن تكون هناك أطراف تجادل بحجج لا قيمة لها من أجل مكاسب لا ترقى إلى أعلى من كونها مكاسب إما شخصية أو حزبية أو فئوية أو جهوية. والحقيقة هي أننا نمارس سياسة تسطيح المعمّق وتعميق المسطح كما يقولون.