Atwasat

«المؤتمر الوطني» والحرب الأهلية الليبية

أوسمان بن ساسي السبت 02 مايو 2015, 01:24 مساء
أوسمان بن ساسي

يقول البروسي أوتو فون بسمارك مؤسس وموحد الأمبراطورية الألمانية «الرايخ الألماني»: «العواطف تكاد أن تكون معدومة في حلبة السياسة كما هي في ميدان التجارة»، ويعتبر نابليون «من لا يمارس الفضيلة لاكتساب الشهرة فهو قريب من الرذيلة». والفرق بين الاقتباسين يقول الدكتور محمد هلال هو (الذكاء السياسي).

لن نبتعد كثيرًا عما تمر به ليبيا، فتحقيق الأهداف التي تخدم الصالح العام بأقل التكاليف وأفضل النتائج، أحد علامات هذا الذكاء الذي يفتقده المؤتمر الوطني العام المعتمد على استعمال الشعارات، وإظهار العواطف، لتمرير تمسكه بمفهوم «تقاسم السلطة».

فلا يمكن فهم رفض المؤتمر مسودة بعثة الأمم المتحدة جملة وتفصيلاً، إلا على هذا النحو، خصوصًا عندما عبر في بيانٍ الثلاثاء الماضي بعبارة « المسودة لم تتضمن ما يمكن النظر فيه».

ليون: أعضاء المؤتمر يريدون بوضوح نصيبهم من السلطة

فالرفض لم يكن دافعه أن المسودة «لا تلبي طموحات الثوار» كما قال صالح المخزوم في المؤتمر الصحفي، بل لأن المقترحات لا تنص صراحةً على تنصيب المؤتمر مع مجلس النواب في سلطة تشريعية جديدة، ولم تتضمن محاصصة في رئاسة حكومة التوافق الوطني.

وهو ما علق عليه المبعوث الأممي برناردينو ليون قائلاً: «إنهم يريدون بوضوح نصيبهم من السلطة».

المؤتمر المنتهية ولايته يوم 7 - 2 - 2014 يريد الاستمرار في السلطة كجسم تشريعي تحت مسمى آخر، يمارس المهام التشريعية، مع مجلس النواب، معتمدًا في ذلك على حكم الدائرة الدستورية، الذي لا يعيده إلى التشريع من جديد في كل الأحوال.

لا شك أن (التوافق) كشرعية لا يتعارض مع قواعد اللعبة الديمقراطية، ولكنه لا يعني بحال تقاسم السلطة وتوزيع المناصب بين المشاركين في الحوار، فالدور الذي يجب أن تقوم به الأطراف المشاركة في المفاوضات هو الاتفاق على شخصيات تتوفر فيها شروط قيادة حكومة الوفاق الوطني، والخروج بالبلاد إلى بر الآمان، لا أن يجري التفاوض للوصول إلى تسوية تتيح لهم تقاسم السلطة، والعودة إلى المربع الأول.

وهذا ما سيحدث إذا تم تمرير شرط تعيين أحد نائبي رئيس الحكومة من مجلس النواب والآخر من المؤتمر ومنحهما حق الاعتراض «فيتو» على القرارات، فهذا الشرط سيرجع بنا إلى الخلف، حيث الخلافات السياسية الحزبية بين الفريقين.

ما سيحدث هو إهمال النائبين وظيفتهما الأساسية، والتركيز على تصيد أخطاء بعضهما، محاولين إظهار الأفضلية، ونشر ذلك عبر وسائل الإعلام، كما حدث أيام حكومة زيدان والحرب الباردة بين كياني التحالف والعدالة، وهو ما يحدث الآن أيضًا في حكومة الثني بين التحالف والتحالف، فمن المؤكد أن اختيار نائبين تكنوقراط مرضي عنهما من قبل المؤتمر والنواب، بالإضافة إلى الرئيس أيضًا، خيار آمن، بعيدًا عن هذا التصارع الحزبي الذي يدفع فاتورته الشعب الليبي.

ولذلك فإن إلحاح المؤتمر على المشاركة في كافة مستويات السلطة ورفض ما دون ذلك، سيعرضه إلى عقوبات مجلس الأمن، وهو ما أشار إليه ليون الخميس الماضي عندما قال: «إنَّ مجلس الأمن يؤكد جاهزيته لاستخدام العقوبات ضد من يسعون إلى تقويض عملية الدخول في مرحلة انتقالية»، وتابع قائلاً: «سنعمل على مسودة اتفاق تكون مقبولة من قبل الأحزاب والمجموعات ومختلف الانتماءات الليبية».

وهذا يعطي مزيدًا من الوقت والفرصة أمام كافة الأطراف، لإبداء مرونة أكثر وتسريع الوصول إلى حل سياسي وطني بعيد عن المطامع، للابتعاد عن مظنة الوقوع تحت طائلة العقوبات الدولية، فالمشاركة الوطنية في وقف الحرب الأهلية، ووحدة البلاد، وتوجيه الجهود نحو محاربة الأرهاب، هي الأهداف المطلوب تحقيقها، وليس تحقيق المكاسب الشخصية أو الحزبية.

ليس من مصلحة المؤتمر أن يجري تصنيفه كطرف معارض للتسوية السياسية، بسبب خوفه من فقدان السلطة والحفاظ على الوضع الفوضوي الراهن

الدفع نحو تسريع حل الأزمة في ليبيا، أفضل بكثير من تدوين أسماء المعرقلين، في القائمة السوداء، كمعارضين للسلم، ومنعهم من السفر خارج البلاد، والإجهاز على ما تبقى من مستقبلهم السياسي، لا سيما أن مجلس الأمن، كما أعلن، يريد التوصل إلى اتفاق سياسي بين الأطراف الليبية قبل حلول شهر رمضان، الذي يبدأ منتصف يونيو المقبل.

وليس من مصلحة المؤتمر أن يجري تصنيفه كطرف معارض للتسوية السياسية، بسبب خوفه من فقدان السلطة والحفاظ على الوضع الفوضوي الراهن.

وعليه أظن أن عمر حكومة الوحدة الوطنية يجب أن، يربط بالمرحلة الانتقالية، على أن يعود الأعضاء المقاطعين لحضور جلسات مجلس النواب، ويمارسوا دور المعارضة، حتى انتهاء فترة عمل المجلس، والدخول في انتخابات برلمانية جديدة، وأن ينتهي عمل الحكومة بتحقيق أهدافها، بما فيه تهيئة الأجواء للاستفتاء والانتهاء من الدستور.