Atwasat

معاناة الأجيال الليبية المعاصرة

عمر أبو القاسم الككلي السبت 02 مايو 2015, 10:49 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

لا يعبر مصطلح"الجيل" عن مفهوم جامع مانع، وإنما هو غائم متحرك الحدود. إلا أنه يؤدي، مع ذلك، وظيفة تحقيبية لا غنى عنها في بعض المجالات مثل التاريخ الثقافي والأدبي والاجتماعي. ولعل أول استخدام للفظة كمصطلح كان في مجال الأدب، فيقال شعراء الأربعينيات أو الثمانينيات، مثلا. أي أنه اصطلح على أن الفارق الزمني بين الجيل والذي يليه لا يقل عن عشر سنوات وأنها تبدأ مع بداية كل عَقد!

الأجيال العربية المعاصرة، عموما، لم تنعم بفترات راحة واضحة. فمن نير الاستعمار إلى نير الأنظمة المحلية القمعية والاستبدادية إلى توحش جماعات الإرهاب الديني حاليا.

في الحالة الليبية عانت معظم أجيال التاريخ المعاصر نكباتٍ ومآسيَ وأزماتٍ. ففي بداية القرن العشرين اضطر الجيل الذي ولد قبيل أو بعيد 1890 إلى الانخراط في القتال ومعاناة الجوع والاقتلاع عقب الغزو الإيطالي لليبيا سنة 1911. وزادت معاناة الجيل الذي تلاه(جيل العشرينيات)، المولود قبيل أو بعيد سنة 1900، مع اشتداد وطأة الاستعمار الإيطالي بعد صعود الفاشية، أما جيل الثلاثينيات، المولود حول سنة 1910، فقد طورد بالتجنيد الإجباري من قبل حكومة الاحتلال الإيطالي الفاشية للزج به في غزوها للحبشة، كما شهد معسكرات الاعتقال الجماعي، وهي الأولى من نوعها في التاريخ المعاصر والتي حُصر فيها ما يمكن أن يعادل عشر السكان حينها، إلى جانب وطأة الجوع والاقتلاع والنفي.

تنفس الجيل المولود حول سنة 1920 ، جيل الأربعينيات، بعض الراحة مع انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة ، 1945، وتمتع الجيل الذي أتى بعده، المولود حول سنة 1930، بقدر أكبر من الارتخاء خلال فترة الخمسينيات بعد إعلان استقلال الدولة الليبية المعاصرة، وازداد الجيل اللاحق، وهو جيل الستينيات المولود حول بداية العقد الرابع من القرن العشرين، تنعما وانفتاحا أكبر على الحياة.

كن الجيل المولود حول بداية العقد الخامس من القرن العشرين، جيل السبعينيات، تزامن تفتحه للحياة وفورة طموحه مع ترسخ النزوع الاستبدادي لنظام معمر القذافي

لكن الجيل المولود حول بداية العقد الخامس من القرن العشرين، جيل السبعينيات، تزامن تفتحه للحياة وفورة طموحه مع ترسخ النزوع الاستبدادي لنظام معمر القذافي الذي قفز إلى السلطة آواخر سنة 69(أي مع بداية عقد جديد!) فعانى تمزقات بالغة. إذ غذى جزء كبير منه النزوع القمعي والاستبدادي للنظام وتعرض جزء لا يستهان به إلى المحاصرة والسجن والنفي، واضطر القسم الأكبر منه إلى الصمت والتكيف مع الظروف التي يفتعلها النظام في سلوكه العبثي الممنهج!

نال جيلا التسعينيات وعشرية الألفية الثالثة قدرا من الراحة مع ارتخاء قبضة الاستبداد.

أما جيل العشرية الثانية من الألفية، التي تميزت بدايتها بسقوط نظام معمر القذافي(قفز إلى السلطة في ختام عقد وسقط من عليها سقوطا مدويا مهلكا في بداية عقد!)، فلعله أسوأ الأجيال الليبية المعاصرة حظا. إذ مازال يشهد اقتتالا عبثيا وينخرط فيه ويعاين الدمار والموت والتشرد والنزوح ويعانيه.

ركزنا على معاناة الأجيال في فترة الفتوة والشباب والتفتح للحياة، لكن المعاناة لا تقتصر على الشباب بالطبع.

صديقي ورفيق محنة السجن المقيم في بنغازي رمضان الفارسي، كتب على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي Facebook أن إبنه فارس، البالغ حوالي عشر سنوات، قال له بأن جيلهم الجيل الليبي الوحيد الذي لن يكون بإمكانه أن يقول مستقبلا:" ليت الشباب يعود يوما"!

من تأثيرات المنشور المشار إليه كان هذا المقال الذي ليس المقصود منه إدخال نوع من العزاء إلى نفس فارس، الذي لا أظن أنه سيستوعب ما ورد فيه لو قرأه، وإنما هي محاولة بسيطة وعمومية لمعاناة الليبيين في طور شبابهم منذ نهاية العشرية الأولى من القرن الماضي وحتى منتصف العشرية الثانية من القرن الحالي. أي عبر قرن. ويمكن تقسيم هذه المعاناة إلى ثلاث فترات:

الفترة الأولى من سنة 1911 وحتى 1945. والفترة الثانية من سنة 1973(إعلان ما يعرف بالثورة الثقافية) وحتى سنة 2000 تقريبا.
الفترة الثالثة ابتدأت سنة 2011، ونأمل ألا تطول.

كانت المعاناة في الفترة الأولى ناجمة عن حالة الاحتلال الأجنبي. الفترة ثانية كانت بسبب ممارسات النظام الفردي الاستبدادي المحلي. أما الفترة الثالثة فبسبب الفراغ الأمني والحرب الأهلية.

ولكن معاناة ومآسي الفترتين الثانية والثالثة تشترك في كونها من فعل أبناء الوطن وليست بسبب محتل.