Atwasat

«أتلانتا» الصومال والحالة الليبية

أوسمان بن ساسي السبت 25 أبريل 2015, 10:13 صباحا
أوسمان بن ساسي

لا فائدة من إرسال سفن وطائرات قبالة السواحل الليبية، ولا معنى من عقد قمة أوروبية استثنائية في بروكسل ودراسة قرار يقضي باستهداف قوارب المهاجرين قبل انطلاقها.

ليبيا تملك أطول ساحل مطل على البحر المتوسط يبلغ حوالي 2000 كم، ولا أحد يستطيع حماية هذا الساحل على الأرض غير حكومة وطنية موحدة تسيطر على كامل التراب الليبي، فإرسال السفن والطائرات لن تحد من الظاهرة، التي كانت موجودة قبل سقوط النظام السابق، وانتعشت في ظل انتشار السلاح وتخليكم على ليبيا عمدًا.

لا يخفى على أحد مساهمة أوروبا والولايات المتحدة وأدواتها في الفوضى التي وصلت إليها ليبيا، فمن غير المعقول والمرفوض الآن، أن تتحدثوا عن حلول عسكرية لمعالجة ظاهرة ساهمتم في انتعاشها.

الجانب الإيطالي لا تنقصه البيانات والمعلومات حول أساليب مهربي البشر الذين لا يعتمدون على الموانئ البحرية في إطلاق زوارقهم

دعمكم لليبيا هو بالأساس مساعدة لأوروبا، وبشكل مستدام، فعدم وجود حكومة موحدة تبسط سيطرتها على ساحل ليبيا الطويل، في ظل الفوضى، بالإضافة إلى الحدود المنتهكة جنوبًا، يؤكد أن الحلول العسكرية لن تفيدكم بل ستفتح عليكم أبواب جهنم، مثلما فعلتم في الصومال التي قمتم بتحويلها إلى مستنقع وبؤرة جديدة للإرهاب، وهذا ما نرفض تكراره في ليبيا.

وبالنظر إلى تجربة الصومال البائسة، فقد أطلقت البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي في ديسمبر من العام 2008، عملية «أتلانتا» العسكرية، التي تستهدف ابتداءً كبح جماح قراصنة السفن قبالة سواحل الصومال، ثم قررت توسيع نطاقها ليشمل استهداف البر الصومالي الذي ينطلق منه القراصنة.

هذا الحل الدفاعي ثم الهجومي اتجاه مشكلة القرصنة الصومالية، والذي تحاول إيطاليا تطبيقه لحل مشكلة الهجرة غير الشرعية، بالضغط على الاتحاد الأوروبي لقبول فكرة التصعيد العسكري، يُعدُ قياسًا مع الفارق، بين البلدين، خصوصًا قرب ليبيا لأوروبا.

وما يشير إلى بداية فعلية لمثل هذا التحرك المرفوض، تصويت البرلمان الإيطالي بالأغلبية الأربعاء الماضي، على قرار يلزم رئيس الحكومة ماتيو رينزي، بمطالبة الأمم المتحدة بفرض حظر بحري على الموانئ الليبية لوقف موجة الهجرة غير الشرعية المقبلة.

الجانب الإيطالي لا تنقصه البيانات والمعلومات حول أساليب مهربي البشر الذين لا يعتمدون على الموانئ البحرية في إطلاق زوارقهم، عشرات المراكب التي وصلت إيطاليا، انطلقت من شاطئ البحر دون توفر ميناء بحري، فالطقس المناسب وتوفر المعدات والركاب هو ما تتطلبه الرحلة.

إذًا ما الدافع وراء طلب إصدار قرار بمحاصرة الموانئ الليبية، غير أنه خطوة أولى تتبعها مراحل أخرى على غرار عملية «أتلانتا» في الصومال؟.

وما الذي دفع إيطاليا إلى هذا التصعيد بعد سنوات من تدفق أسراب المهاجرين واستفادتها والدول الأوروبية منهم في السوق؟، بعيدًا عن خطاب رينزي العاطفي وحديثه عن رفض هلاك المزيد من البشر بعد غرق 800 مهاجر في عرض المتوسط!.

ما يهم الاتحاد الأوروبي وعلى رأسه إيطاليا هو الحفاظ على الأمن القومي، خصوصًا بعد زيادة حدة المخاوف من وصول متطرفين ومرض إيبولا إلى إيطاليا عبر زوارق الموت.

وليبيا كذلك تتقاسم ذات المصالح مع الاتحاد الأوروبي، في وقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا ومكافحة التطرف المتمثل في تنظيمات «داعش» و«القاعدة» و«أنصار الشريعة» وأمثالهم.

ولكن الحد من الهجرة غير الشرعية لن يكون بالحل العسكري، فضلاً عن كونه سيكلف الاتحاد الأوروبي أموال طائلة، لن يكون آمن بشكل جذري على القارة نظرًا لقرب ليبيا من شواطئها.

لذلك ينبغي على الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي دعم جهود الأمم المتحدة لأنجاح الحوار وتشكيل حكومة واحدة، تتواصل مع المجالس البلدية للمدن الأبرز التي ينتقل من خلالها المهاجرون كنقاط عبور رئيسية قبل وصولهم إيطاليا، وهي (الكفرة وسبها وزوارة).

ما يهم الاتحاد الأوروبي وعلى رأسه إيطاليا هو الحفاظ على الأمن القومي، خصوصًا بعد زيادة حدة المخاوف من وصول متطرفين ومرض إيبولا إلى إيطاليا عبر زوارق الموت

لاسيما وأن المناخ الاجتماعي الرافض لهذا النشاط في المدن الثلاث سيساعد في الحد من الظاهرة بشكل كبير، فقد نظمت مؤسسات المجتمع المدني في زوارة وأهالي المدينة تظاهرة رافضة في شهر أغسطس من العام الماضي، تحت شعار (زوارة ضد الهجرة غير الشرعية).

كما توعد مجلس زوارة البلدي في أكتوبر من العام ذاته تجار البشر في المدينة بالملاحقة، وهاجمهم بشدة، ووصفهم «بضعاف النفوس وعبدة المال» ووصف عملهم بـ«غير الإنساني».

لا أحد يستطيع التواصل مع المدن الثلاث بهذا الخصوص غير حكومة الوفاق الوطني، لوضع حلول جذرية للظاهرة، بدل عسكرة الأزمة والدخول في توترات جديدة لا تخدم ليبيا ولا تخدم مصالح الاتحاد الأوروبي الأمنية بالضرورة.

ذلك أن أي قرار عسكري تتخذه أوروبا، يعد زيادة للتوتر في ليبيا، ويعتبر بشكل عملي قرار اعتراض «فيتو» على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية.

وعليه فيجب على الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة المساعدة بتحركاتهم رئيسا المفوضية الأوروبية والأفريقية اللذين طالبا الخميس الماضي، أطراف النزاع في ليبيا بالتوصل إلى حل سلمي ينهي الأزمة، ويعيد بناء الدولة وتحقيق الاستقرار وبالتالي وقف نزيف الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، إذا أرادوا فعلاً إنقاذ القارة العجوز.