Atwasat

«الشاطئ الرابع» والحسابات الأوروبية

أوسمان بن ساسي الأحد 19 أبريل 2015, 11:01 صباحا
أوسمان بن ساسي

«ليبيا دولة فاشلة ومن الصعب التعاون معها في مجال الهجرة غير الشرعية»، هذا ما قالته مفوضة الأمن الداخلي الأوروبية سيسيليا مالمستروم في مؤتمر صحفي في بروكسل يوم 7 يوليو 2014، كأنَّها وجَّهت حديثها إلى وكالة الحدود الخارجية الأوروبية، «فرونتكس»، بألا يعيروا ليبيا الاهتمام، ويركِّزوا على حماية السواحل الأوروبية.

كان من المتوقع آنذاك ألا يتحمل الغرب مسؤولياته في مساعدة ليبيا، عقب سقوط النظام السابق في العام 2011، فالتنافس الدولي المحموم على الكعكة كان يشير إلى هذا.

هناك قوى عظمى وأدواتها في المنطقة من مصلحتها بقاء ليبيا في مرحلة «الدولة الفاشلة»، فهي تفضِّل استمرار الصراع بين التشكيلات المسلحة الليبية حتى تُنهك الدولة بشكل تام وتتآكل ببطء، لتستطيع التدخُّل تحت غطاء «إنقاذ ليبيا»، والأهم أنَّ هذا ما سيكسبها النفوذ، بعد أنْ ينتهي أي أساس لدولة قوية مستقلة تتحكَم في مواردها.

أوباما: في بعض الحالات شهدنا «دول الخليج» تلهب نيران الصراع العسكري في ليبيا بدلاً من محاولة تهدئته

ثم يأتي دور تلك القوى لاحقًا كمنقذ بالتدخُّل العسكري المباشر وإطلاق حملة حروب الجيل الرابع لمحاربة «الإرهاب»، بعدما يكون الصراع بين القوى المحلية قد أدى دوره في إنهاك الدولة، بخوضها حربًا بالوكالة تحت شعارات وهمية.

ولعل ما قاله الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال اجتماعه مع رئيس الحكومة الإيطالي، ماتيو رينتسي، أمس الأول الجمعة، يؤشر إلى ذلك، فهو قد طَالَبَ دول الخليج بالمساعدة في تهدئة «الوضع الفوضوي» في ليبيا، خصوصًا «تلك التي لها نفوذ داخل ليبيا» ما يعد اعترافًا صريحًا بمساهمة دول خليجية في تأجيج الوضع في ليبيا، أو على حد تعبير أوباما نفسه «في بعض الحالات شهدناها تلهب نيران الصراع العسكري في ليبيا بدلاً من محاولة تهدئته»، والحديث عن دول الخليج.

وأضاف أنَّ «الحل في نهاية الأمر هو أنْ تكون هناك حكومة قادرة على السيطرة على حدودها والعمل معنا، هذا سيستغرق بعض الوقت».

تمامًا هذا ما سيحدث إذا طال أمد الحرب، ولم يقطع الليبيون الطريق على كل متربص، بالتوافق على حكومة وحدة وطنية تكون أبرز مهامها مواجهة الإرهاب والتطرُّف وبسط الأمن، وتأجيل التنافس السياسي إلى ما بعد بناء مؤسسات الدولة. ذلك لأنَّه مع انهيار الدولة بشكل نهائي، لن يبقى ما تتصارع عليه الأطراف.

ليبيا تربط القارتين الأفريقية والأوروبية، عبر ساحل بحري طويل تصعب فيه السيطرة على الهجرة غير الشرعية، وتركها لشأنها يكلف أوروبا ثمنًا باهظًا

ولكن إذا ما قارنا بين تصريحات المجتمع الدولي أخيرًا، نجد أنَّ الاتحاد الأوروبي لديه رأي آخر، يختلف عمَّن يتعامل مع ليبيا على أنَّها قطعة أرض عائمة فوق بحيرة من البترول فقط، لموقع ليبيا الاستراتيجي المهم، الذي يفرض نفسه على مصالح وأمن دول الاتحاد، فهل يستغل الليبيون هذه المميزات؟.

ليبيا تربط القارتين الأفريقية والأوروبية، عبر ساحل بحري طويل تصعب فيه السيطرة على الهجرة غير الشرعية، وتركها لشأنها يكلف أوروبا ثمنًا باهظًا لا تقوى على تحمل تبعاته.

فها هو رئيس البرلمان الأوروبي، مارتين شولتس، لم يتأخر في الدفع نحو ضرورة إيجاد حلٍّ سريعٍ للأزمة الليبية، كشرط موضوعي لحل أزمة المهاجرين، معتبرًا «أن الأزمة الليبية تكلف زهق الأرواح داخل وخارج ليبيا على حد سواء».

وها هو وزير الخارجية الإيطالي، باولو جنتيلوني، يقول في تصريحات إلى «راديو 24 » الإيطالي الأسبوع الماضي «إنَّ حتمية إنهاء أزمة الهجرة غير الشرعية التي تهدِّد الأمن القومي لإيطاليا، قائمة على استقرار الأوضاع في ليبيا»، كما لمح إلى التدخل العسكري إذا فشل الحوار الليبي.

وتأتي دعوات إيطاليا العلنية بالتدخل تزامنًا مع التلويح الفرنسي من حين لآخر بالحل العسكري لطرد التنظيمات الإرهابية من ليبيا، وهو ما يلقى ممانعة جزائرية. إلا أنَّ الممثلة العليا للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، فريدريكا موغريني، طمأنت الجانب الإيطالي بقولها: «إنَّ مسألة الهجرة غير الشرعية هي تهديدٌ لكل أوروبا وليس لإيطاليا فقط».

ولا ننسى تصريحات مجلس الأمن الدولي، الأخيرة (13 أبريل 2015)، وحض المشاركين في المفاوضات على «الاتفاق على حكومة وحدة وطنية من أجل إنهاء الأزمة الليبية»، وتلويحه بفرض عقوبات على الذين يهدِّدون الأمن والاستقرار في ليبيا.

في المقابل نجد الأطراف الليبية مستمرة في التصعيد العسكري، كأنَّهم ينشدون التدخل الخارجي، يقفلون كل الطرق والحلول الرامية لإنهاء الأزمة، فإلى جانب المتحاورين في الصخيرات المغربية، نجد متحاورين عسكريين على الأرض الليبية، يبحثون ملف السيطرة على طرابلس!، ولا يؤمنون بمفهوم المشاركة.

وتبقى كثيرٌ من الأسئلة معلقة:
ما الرسالة التي يحملها قصف مطار معيتيقة تزامنًا مع استعداد وفد المؤتمر السفر إلى المغرب لحضور جلسات الحوار؟!

ما جدوى حوار الصخيرات، مع وجود حوار بفوهات البنادق في طرابلس؟!

كيف نتوقَّع نتائج إيجابية في الصخيرات مع انتشار رائحة الدم في العاصمة؟!

هل الهدف تجميد الحوار واستمرار الحرب لاستدعاء التدخل الخارجي؟