Atwasat

الغرفة الرابعة بالقسم الرابع

منصور بوشناف الخميس 09 أبريل 2015, 10:42 صباحا
منصور بوشناف

بالغرفة الرابعة بالقسم الرابع بسجن الحصان الأسود"بورتا بينيتو" كنا عشرة, سبعة طلاب وتونسيين وتشاديا وحيدا, كنا نحن الطلبة سجناء أو ضحايا السابع من أبريل, وكان التونسيان ضحيتي وشاية مقاولين ليبين أرسلوا بهما إلى السجن بتهمة شتم سلطة الشعب, كي لا يدفعوا لهما أجرهما المستحق, أما التشادي الوحيد فكان فاقد العقل تماما ولا يعرف أنه سجين!!

في القسم الرابع كان ثمة عدد كبير من السجناء السياسيين وكنا أقدمهم وأثقلهم أحكاما, كان ذلك في عام وفي شهر اجتياح بيروت من قبل إسرائيل, وكان الراديو والجرائد الليبية تضج بالأناشيد والبيانات الثورية والقومية, كنا مع المقاومة ومع فلسطين ولبنان, كنا هكذا رغم السجن ورغم القمع, وكان السجن السياسي الليبي قد بدأ يستقبل معتقلين مختلفين عنا, كانوا يكرهون كل ما يتعلق بالقضية العربية وفلسطين, وكانوا يرون في المقاومة حليف القذافي ولذا فهي عدو بغيض, إذن اكتشفنا، كما اكتشفوا، أن السجن والمعارضة للنظام لاتعني أننا واحد, اكتشفنا، كما اكتشفوا أننا مختلفون, كنا قد اعترفنا بهذا الوضع وقبلناه, كنا أقلية صغيرة, كنا يسارا وسط بحيرة يمين، كما كنا نرى.

حرب بيروت فجرت كل شيء في القسم الرابع بسجن الحصان الأسود بطرابلس

حرب بيروت فجرت كل شيء في القسم الرابع بسجن الحصان الأسود بطرابلس, فجرت تلك العلاقة الهشة وأحرقت ذلك الاعتراف المتبادل بالاختلاف, صرنا في نظرهم عملاء للنظام وأتباعا"رغم أننا في سجون النظام قبلهم وأحكامنا أثقل من أحكامهم" وصاروا في نظرنا يمينا عربيا عميلا, لن يمانع في الاعتراف والتصالح مع إسرائيل لو وجد الفرصة"رغم بؤسهم وقلة حيلتهم"!!

تفجرت المواجهة في القسم الرابع بسجن الحصان الأسود بطرابلس الليبية, كأحد التوابع لزوبعة غزو بيروت واجتياحها, كان أحد السجناء قد بصق على صورة لياسر عرفات في جريدة قديمة, وعبر آخرون عن شماتتهم في الفلسطينيين ليشتبك معهم أحدنا, وتبدأ المواجهة بالأيدي والعصي, لتبدأ الحرب بالقسم الرابع بسجن الحصان الأسود وليبدأ اجتياح الغرفة الرابعة.

كان"دون كيشوت" يقود الطرفين في حرب القسم الرابع وغزو الغرفة الرابعة, دون أن يدري أحد خارج أسوار القسم الرابع تفاصيل تلك الملحمة العبثية, آمر السجن العسكري الثوري قال"فخار يكسر بعضه" ولم يتدخل وأمر السجانين بالحياد فكلنا خونة بالنسبة له"يمينا ويسارا"!!

عقلاء القسم الرابع أدخلونا إلى غرفتنا الرابعة وقفلوها علينا كي يوقفوا المعركة, صرنا سجناء رفاقنا في السجن, صرنا ضحايا للضحايا, منعنا من ساعات الهواء والشمس التي تمنحها إدارة السجن للسجناء.
كانت الغرفة الرابعة بيروتنا وكان القسم الرابع وطننا العربي, هكذا علمنا"دون كيشوت", وكانت الغرفة الرابعة وكر أتباع النظام والقسم الرابع الوطن الليبي الأسير, هكذا علمهم" دون كيشوتهم".

كنا سبعة طلبة وتونسيين وتشاديا فقد عقله, وكانوا حوالي الستين, ضباط بوليس وعسكرا وموظفين, كنا أقدم منهم جميعا في السجن وأثقل أحكاما, وكانوا حين التقينا محصنين ضدنا من قبل سجناء آخرين بأننا خطيرون وعلمانيون وملاحدة, كانت الحروب العربية الإعلامية تدور في الحصان الأسود على أشدها وتصنف المساجين السياسين فسطاطين لا يلتقيان إلا في ساحات الوغى!!

رغم الحرب وغزو الغرفة الرابعة"بيروتنا" فإننا ظللنا نقف طابورا موحدا وطويلا أمام قدر السجن القذر, وأمام حلاق السجن وتحت سياط سجانيه وظلت راديوات ليبيا وتونس تبث لنا أناشيد المقاومة وأشعار محمود درويش.

الآن وأنا شيخ في الستين أتذكر ما جرى وأتساءل"أي جنون كان يسكننا جميعا, بكل أطيافنا, ولماذا نصر على إعادة تمثيل غزو الغرفة الرابعة؟ ولماذا نتقاتل على بعض الأوهام؟ ألسنا جميعا ضحايا؟ ألسنا جميعا سكان القسم الرابع بسجن الحصان الأسود بليبيا؟

أليست الغرفة الرابعة إحدى غرف هذا القسم الممتد من البحر إلى الصحراء ومن حق سكانها الحياة والاعتقاد؟