Atwasat

الدستور المؤقت؟ (وجهة نظر)

البدري محمد الشريف الخميس 09 أبريل 2015, 09:13 صباحا
البدري محمد الشريف

عندما قامت الثورة فى ليبيا فى 17 فبراير2011 م. كان الناس جميعا يتطلعون إلى إسقاط نظام دكتاتوري فاسد ويطمحون إلى بناء دولة تعزز كرامة الإنسان وتؤكد على الحقوق و الحريات والتداول السلمي على السلطة. ولقد أصدر المجلس الانتقالى الذى نشأ بالتوافق الإعلان الدستوري لتسيير المرحلة الانتقالية حتى إنجاز الدستورالدائم وبناء الدولة. أنيط بالهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور مهمة إنجاز هذه المهمة وكان التصور أن الأمر سيكون يسيرا، خاصة فى ظل نجاح أول انتخابات منذ عقود طويلة، حيث تميزت هذه الانتخابات بالسلاسة فى تنظيمها وبالنزاهة فى عملية إجرائها وبروح الفرح والتفاؤل التي سادت الشارع الليبى آنذاك.. لم يكن أحد يعلم بأن الأمور فى ليبيا ستتطور لهذه الدرجة من التأزم حتى وصلت إلى مرحلة الحرب الأهلية التى كان من نتائجها انعدام الأمن والإستقرار وعمليات النزوح الجماعي والتهجير وأعمال العنف بكل أشكاله من قتل وخطف وتدمير للممتلكات العامة والخاصة واختفاء نسمات الحرية تلك التي تمتع بها الليبيون لفترة وجيزة بعد سقوط النظام السابق.

أمام هذا الواقع المؤلم وجدت الهيئة التأسيسية نفسها تعمل فى ظل ظروف صعبة للغاية حيت انعكس هذا الاصطفاف السياسي الحاد والمسلح على عمل الهيئة وتوجهات أعضائها كما أن الوضع الأمني بشكل عام وخاصة فى الفترة الأخيرة قد أفقد الكثير من الأعضاء إرادتهم الحرة فى اتخاد القرار بسبب التهديدات المباشرة وغير المباشرة التي يشعرون بها والتي تجلت مؤشراتها فى بعض مداولات الهيئة وخاصة فى الفترة الأخيرة. دون الدخول فى التفاصيل فإن الواقع يقول بصعوبة صياغة دستور دائم فى ظل حرب أهلية و انعدام تام للأمن وانقسامات حادة بين الليبيين وفي ظل وجود أعداد كبيرة من الليبيين بين نازحين ومهجرين خارج البلاد يصل تعدادهم إلى ما يقرب من ثلث السكان، الأمر الذى يطرح مشروعية أي دستور يصاغ دون مشاركة هؤلاء فى العملية الدستورية وإحساسهم بحقوق المواطنة.

لكل هذه الأسباب فإنه من المهم إيجاد حل توافقي يلبي احتياجنا لدستور, و بأسرع وقت ممكن ينظم أمور البلاد خلال الفترة القادمة وفي نفس الوقت يتجاوز الأبواب التي توجد إشكاليات حولها حتى تستقر البلاد وتعود للناس الطمأنينة وأخد وقت كاف لنضوج حوار مجتمعي واسع حول هذه القضايا الجدلية.

الدستور المؤقت يختلف عن الإعلان الدستوري حيث أن الإعلان الدستورى يتصف بالاختصار الشديد ومهمته تسيير البلاد لفترة وجيزة ومؤقتة

الدستور المؤقت يختلف عن الإعلان الدستوري حيث أن الإعلان الدستورى يتصف بالاختصار الشديد ومهمته تسيير البلاد لفترة وجيزة ومؤقتة لحين عودة مؤسسات الدولة. أما الدستور المؤقت فهو دستور كامل إلا أنه ينص فى مواده على أنه مؤقت ويعمل به لحين إصدار دستور دائم بدله. هناك حالات كثيرة من مثل هذه الدساتير، على سبيل المثال دستور السودان المؤقت سنة 1964 م. والذى جاء فى الفصل الأول منه- أحكام عامة : تسمى هذه الوثيقة دستور جمهورية السودان المؤقت لسنة 1964 م.

أيضا الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة 1958 م. والذي تنص المادة 73 منه على: يعمل بهذا الدستور المؤقت إلى حين إعلان موافقة الشعب على الدستور النهائي للجمهورية العربية المتحدة.
لعل التجربة الأبرز والأقرب فى موضوع الدستور المؤقت هى تجربة جنوب أفريقيا. عندما بدأت محادثاث السلام فى ديسمبر 1991 م. لإنهاء نظام الميز العنصرى وبعد محادثاث مكثفة توافقت الأحزاب المتحاورة فى سنة 1993 م. على دستور مؤقت يعمل به حتى صياغة الدستور الدائم والاستفتاء عليه. كان من أبرز معالم هذا الدستور المؤقت هو إعادة هيكلة السلطة التنفيدية بما يتماشى مع إلغاء نظام الميز العنصري وتضمين الدستور ميثاق الحقوق والحريات بشكل مفصل يعزز حقوق المواطنة دون أي تمييز وإنشاء المحكمة الدستورية وإعادة هيكلة النظام القضائي. وقد استمر العمل بهذا الدستور المؤقت حوالي 4 سنوات حتى فبراير 1997 م. حين تمت صياغة مسودة الدستور الدائم من قبل البرلمان و تم الاستفتاء عليه واعتماده.

من هنا فإنه من المناسب فى ظل الظروف الحالية التي تعيشها ليبيا أن يتم إعداد دستور مؤقت يعمل به لمدة تتراوح بين 5 و 10 سنوات حتى تتأسس الدولة و يسود الأمن والاستقرار وتعود الحياة إلى طبيعتها وتلتئم كثير من الجراح التي سببها هذا الصراع الدموي ويكون العمل السياسي السلمي قد تطور بشكل أفضل.

يرتكز هذا المقترح على الخطوات التالية:-
أولا : التنسيق بين الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور وبعثة هيئة الأمم المتحدة للدعم فى ليبيا من أجل التنسيق والاتفاق بين الهيئة التأسيسية والأطراف المشاركة في الحوار الوطني تحت رعاية الأمم المتحدة للاتفاق على خارطة طريق جديدة يتم فيها الاتفاق على:-

أ. أن تتولى الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور صياغة دستور مؤقت للبلاد يعمل به إلى حين صدور دستور دائم.

ب. أن يتم الاتفاق على وضع الآليات التي يتم بها إعداد هذا الدستور المؤقت و تعديل الإعلان الدستوري وفقا لما يُتفق عليه فى هذا الشأن.

ثانيا: أن تقوم الهيئة التأسيسية بـ:-
1. اعتماد دستور 1951م. المعدل فى سنة 1963م. كدستور مؤقت للبلاد وذلك بعد إدخال التعديلات اللازمة عليه وإلغاء بعض االفصول ومنها الفصل الخامس وتعديل كافة الفصول الأخرى من هذا الدستور بما يتماشى مع أن ليبيا دولة وليست مملكة ويحكمها رئيس يتم انتخابه بشكل مباشر من الشعب.

2. أن تعتمد الهيئة بعض الأبواب من المقترحات المقدمة من اللجان النوعية للهيئة التأسيسة لصياغة مشروع الدستور و تحديدا:-
- باب الحقوق والحريات.
- باب السلطة القضائية .
- باب المحكمة الدستورية العليا.
- باب التدابير الانتقالية.

بحيت تتم مراجعة هذه الأبواب وفق الملاحظات الواردة من الرأى العام والخبراء ومؤسسات المجتمع المدنى ويتم إدماجها في دستور 1951 م. المعدل سنة 1963م وتعديله وفقا لذلك.

1. تضع الهيئة التأسيسية الآليات المناسبة التي يتم بها إجراء التعديلات اللازمة على دستور 1951م. المعدل فى سنة 1963م. وطريقة اعتماده من الهيئة وذلك وفق البنود المشار إليها أعلاه.

ما أود الإشارة اليه هو أن هذا المقترح يتعلق بدستور مؤقت يُعمل به لحين إعداد دستور دائم وبذلك فإن شكل الدولة ونظام الحكم يمكن إجراء استفتاء عليهما فى فترة لاحقة عندما تتوفر الظروف الملائمة. كما أنه من خلال الحوار المجتمعي وفى سعة من الوقت قد تتهيأ الظروف الملائمة لتوافقات وطنية حول بعض القضايا الجدلية بعيدا عن حالات الاحتقان والصدام الموجودة حاليا.