Atwasat

عن الحوار الليبي والسيطرة على الأرض

أوسمان بن ساسي الأربعاء 08 أبريل 2015, 11:48 صباحا
أوسمان بن ساسي

على شواطئ المحيط الأطلسي في مدينة الصخيرات المغربية، ربما يكتب تاريخُ ليبيا الحديثَ، من خلال جولات الحوار الوطني التي ستُستأنف مطلع الأسبوع المقبل برعاية الأمم المتحدة.

ربما تقرِّر الأطراف، التي شاركت والتي لم تشارك في الصراع السياسي المسلح، أنْ تنهي تجربة الحرب الليبية المرعِبة وتنقلها إلى المتاحف.

تشكيل حكومة وحدة وطنية مشتركة مهمتها بَسْطُ الأمن وحَشْدُ الجهود ضد التطرُّف، وتوحيدُ مؤسسات الدولة النفطية، وصرفُ موازنة واحدة لها من قبل مصرف ليبيا المركزي، هي بداية طريق الاستقرار.

التاريخ العالمي تَرَكَ لنا ذكرياتٍ أليمةً ومخيفةً جراء الخلاف السياسي المدمِّر، بين القوى العظمى التي قاتلت من أجل التوسُّـع وفرض أفكارها بقوة السلاح، ما تسبَّب في تدميرِ مدنٍ بكاملها وسقوطِ ملايين البشر من قارة أوروبا ودول الصين واليابان والولايات المتحدة وكندا وجنوب أفريقيا وغيرها.

«السيطرة على الأرض» الطُّعْـمُ الذي قدَّمته الدول العظمى والقزمية على حد السواء، إلى حلفائها في ليبيا، لصنع واقع سياسي جديد بقوة السلاح، بعيدًا عن أرضها التي تنعم بالسلام.

كما تسبَّبت الحرب العالمية الثانية في انهيار الاقتصاد الأوروبي، عقب تدمير البنية التحتية الصناعية جراء القصف بالمدفعية الثقيلة والصواريخ والقنابل، ما ساهم في كثرة المديونيات للدول الأوروبية، وانخفاض قيم عملاتها، وارتفاع أسعار السلع، لاسيما بعد تخريب الطرق والمزارع، الأمر الذي ساهم في تراجع القوة الإنتاجية إلى معدلات متدنية، الوضع الذي كان يصبُّ في صالح الولايات المتحدة الأميركية آنذاك كقوة صاعدة مشاركة في الحرب (بعيدًا عن أرضها).

دُمِّرت مدنٌ بكاملها وتحوَّلت العواصمُ إلى خرائب بعد تلك الحروب الشمولية والغزوات والتحالفات الهادفة في نهاية المطاف إلى توسُّـع الامبراطوريات والسيطرة على الأرض لبسط النفوذ.

صحيح أنَّ الحربيْن العالميتيْن الأولى والثانية أدتا إلى رسم سيطرة جديدة على العالم، من جهة الدول المنتصرة على الدول المنهزمة، إلا أنَّ ما يحدث في ليبيا حربٌ أهلية بالوكالة، الرابح فيها خاسرٌ لا شك، لا سيما أنَّ قتل أبناء الوطن الواحد، وتدمير مؤسسات الدولة، والمساهمة في انهيار اقتصادها، وتخريب الحياة السياسية خسارة للجميع عدا قوى التطرُّف.

فتنظيم «الدولة الإسلامية» المشهور باسم «داعش»، صاحب شعار «باقية وتتمدَّد» له حساباته أيضًا في التوسُّـع والسيطرة على الأرض، ولأنَّ ليبيا لا يظهر فيها الانقسام الطائفي الحاد وغالبية السكان من المسلمين، فلا يملك التنظيم ثغرات ينمو من خلالها سوى الفوضى وفشل الدولة في بسط سيطرتها، الوضع الذي صنعته الأطراف الغازية لطرابلس.

السيطرة على الأرض هو الطُّعْـمُ الذي قدَّمته الدول العظمى والقزمية على حد السواء، إلى حلفائها في ليبيا، لصنع واقع سياسي جديد بقوة السلاح، بعيدًا عن أرضها التي تنعم بالسلام

تنظيم «داعش» لا يفرِّقُ بين عملية «فجر ليبيا» أو قوات «الكرامة»، بكل ما تحمله هاتان القوتان من التركيبات والقوى، فهما في حكم المرتدين، كما أنَّه لا يميِّـز بين مجلس النواب والمؤتمر، ولا يعترف، بل إنَّه يكفِّـر معظم الفِـرق والجماعات الإسلامية المعتدلة والمتطرُّفة غير المبايعة لأميرهم (البغدادي).

إذا استمر التصعيد العسكري سعيًا في السيطرة على الأرض، فمن المؤكد أنَّ هذه الأطراف ستوفر مزيدًا من الفشل الاقتصادي والتفكك الاجتماعي والانقسام السياسي، كما أنَّها ستوفِّر مناخًا أكثر فوضى وملاءمةً يساعد «داعش» على التمدُّد في كل أنحاء البلاد.

البعض يصف الحوار بـ«عدم الجدوى» أو أنَّه يعارض مفاوضات السلام ظنًّا منه أنَّ السيطرة على العاصمة هي الحل، لحسم الأزمة، واستقرار الأوضاع، وهذا غير صحيح بالتأكيد، فالحرب لا تأتي إلا بحرب مثلها، إلى أن يُعلَن السلام من الجميع، وتوجَّه كل البنادق ضد العدو الحقيقي «داعش».

ما حدث عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية من عودة كافة البلدان إلى حدودها القديمة بعد توسُّـعها، ومقتل ملايين البشر بين مدنيين وعسكريين، وتدمير المدن، والمساهمة بشكل مباشر في انهيار الاقتصاد والإنتاج!، يجعلنا نتأكد من بشاعة مفهوم السيطرة على الأرض.

لذلك سعت حينئذٍ خمسون دولة إلى عقد مؤتمر في سان فرانسيسكو الأميركية، لتأسيس الأمم المتحدة في العام 1945، وكان من أهم أهدافها الحفاظ على السلام والأمن الدولييْن يقينًا منها أنَّ الحرب ليست الحل في بناء الدول.
فلماذا لا نختصر الطريق؟