Atwasat

ليبيا بين فَكْي الأسدِ الأُممي

أحمد الفيتوري الأحد 29 مارس 2015, 11:25 صباحا
أحمد الفيتوري

- الطابو معي لكن هات من يقرأ. توافق الذئبُ والثعلبُ يوما أن يعيشا معا في وفاق، اشتريا مزرعة. الذئب جلب للمزرعة ما يشتهي من خرفان وجديان وما شابه، الثعلب جلب للمزرعة ما يشتهي من الطيور، دجاج وبط وحتى الحمام، وعاشا في بحبوحة ووئام حتى جاء يومٌ سمعا فيه زائيرا، ووجدا الأسد في المزرعة أكلا ومُدمرا حتى العبث، أخذ الأسد في مطاردتِهما. الذئبُ فرَ دون التفات، أما الثعلب ففر مُسرعا لكن مُكثرا من التلفتِ إلى المزرعة وهو يصيح: يا ذئب يا ذئب اخرج الطابو، اخرج سند الملكية. الذئب التفت إليه قائلا: الطابو معي لكن هات من يقرأ. التضاريسُ السياسيةُ الليبية واليمنية وحتى السورية جميعها تقع تحت مظلة الأمم المتحدة، ليبيا بالذات دولة الأمم المتحدة منذ مارس 2011، والدول الثلاث تعيشُ حروبا أهلية اختلط فيها الحابل بالنابل، وجميعها وقعت تحت وابل من نيران صديقة عربية أم دولية، كأنما هذه البلدان الثلاث رمالا مُتحركة كلما تحرك الدور الأممي غاص في أوحالها، الآن وأنا أكتب المقالة طائرات لدول عربية عدة تدك اليمن، والجامعة العربية تعقد مؤتمر قمة في الذكرى السبعين لتأسيسها، والحال أسوأ مما كان.

- ادريان بيلت ينهضُ من قبره بالنسبة لليبيا تُعد دولة الأمم المتحدة، فالأمم المتحدة هي من أصدرت قرارا بتأسيس دولة ليبية مُستقلة، فقد أولت الأمم المتحدة القضية الليبية اهتماما ورعاية تعتبر سابقة في تاريخ المُنظمة الدولية في ذلك الوقت، وهي التي أسست عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ لم يمر على أنشاءها أكثر من أربع سنوات. فنص القرار المتعلق باستقلال ليبيا على تعيين السيد أدريان بيلت، الدبلوماسي الهولندي العريق الذي كان يحتل منصب الأمين المساعد للأمم المتحدة، المفوض الخاص للمنظمة الدولية في ليبيا للمساعدة وتقديم الاستشارة والعون، من أجل بناء الدولة الليبية الجديدة، كذلك أنشأت الأمم المتحدة مجلسا خاصا ليُعين مفوض الأمم المتحدة في أداء مهمته، وعُرف بمجلس العشرة، لأنهُ يتألف من عشرة أعضاء يمثلون الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا ومصر وباكستان، ومندوب من كل أقليم من أقاليم ليبيا الثلاثة والعضو العاشر يمثل الأقليات في ليبيا. وتم إعداد الخطوات لتنفيذ قرار الأمم المتحدة بخطة تقدم بها السيد أدريان بيلت، وأقرها مجلس العشرة (المجلس الاستشاري) في 25 أبريل 1950، وتضمنت انتخاب المجالس المحلية في طرابلس وبرقة وفزان، وتكوين اللجنة التحضيرية تمهيدا لإنشاء الجمعية الوطنية التأسيسية في يوليو1950، والتي عُرفت بلجنة الواحد والعشرين لأنها مثلت كل إقليم من أقاليم ليبيا بسبعة أعضاء.

الأمم المتحدة هي من أصدرت قرارا بتأسيس دولة ليبية مُستقلة، فقد أولت القضية الليبية اهتماما ورعاية تعتبر سابقة في تاريخ المُنظمة الدولية

وقد قال أدريان بيلت (كما جاء في مذكراته بالانجليزية وفي 800 صفحة ولم تُترجم حتى الساعة للأسف): "يجب أن يقوم الليبيون أنفسهم بخلق المبدأ الذي ينطلقون منه في تكوين رُؤاهم الخاصة، وفي وضع الخطط التي يرونها مناسبة دون تدخلي أو تدخل جهات إدارية أخرى أو المجلس التابع للأمم المتحدة ". هكذا المسألة الليبية كما الأمس، تعود مسألة بين أيدي مندوبي الأمم المتحدة، الذين وإن تغيرت أسماؤهم هم ممثلون دوليون ينفذون أجندة دولية يساهم في وضعها القوى العظمى، وبالنسبة لليبيا كأنما اليوم هو الأمس فالدور الأقوى والأوضح للولايات المتحدة وبريطانيا، وقد صرح السيد محمود جبريل منذ أيام -بما معناه -أن سفيرة الولايات المتحدة ديبورا جونز اتصلت به وهددته، أنه والسيد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح قويدر سيُجرما من قبل الأمم المتحدة باعتبارهما مُعرقلين للحوار الوطني.

إن أمرا كهذا يُبين أن المهمة الدولية لبرناردينو ليون محكومة بهذه القوى وبإرادتها، ومن هنا لاحظ الكثير من المراقبين أن المشروع الدولي الذي تقدم به ليون لهيكلة الدولة كما تسويف للأزمة الليبية، وأن الارادة الدولية ترى أن الضغط على الليبيين لحلحلة وضعهم المُتشابك على الأرض عسكريا وسياسيا يلزمهُ الوقت، ولهذا وضع مشروع لهيكلة الدولة كل بند فيه يلزم للاتفاق عليه الاتفاق على البند التالي، وبالتالي فإن إطالة الخيط سيعنى غربلة الواقع على الأرض من شوائبه بالتخلص عسكريا وسياسيا من الصغار والصغائر، وما يمكثُ على الأرض هو الممسك بالزمام والقادر على تنفيذ مشروع الأمم المتحدة لدولة ليبيا التي يريدون، وأيضا نريد عندئذ، حيث كما لو أن ادريان بيلت ينهضُ من قبره.