Atwasat

انقلاب فجر ليبيا وازدواجية المعايير الدولية

محمد اقميع الثلاثاء 24 مارس 2015, 01:48 مساء
محمد اقميع

يتشبث المجتمع الدولي بحكومة المُحَاصصة أو ما يسميه بـ«حكومة الوحدة الوطنية» كحل نهائي ووحيد للأزمة الليبية الحالية، بينما يتساءل الكثيرون لماذا لم تكن فكرة المحاصصة وتقاسم السلطة أو ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية التي تجمع الفرقاء حلاً منذ بداية الحرب بين الليبيين منذ 2011؟ بل كان إصرار ما يسمى بـ«المجتمع الدولي» على إرساء دعائم الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة في ليبيا خيارًا وحيدًا ولا سبيل إلّا الحرب لتحقيقه، ولهذا السبب بالذات تحركت القوى الدولية وأطاحت بالنظام الليبي السابق كما أطاحت بالنظام العراقي من قبله من أجل إرساء دعائم الديمقراطية وتحرير شعوب المنطقة، كما يدعون.

ولكن، قيم ومعايير الديمقراطية واحترام إرادة الشعوب سرعان ما تلاشت وغابت عن حسابات «المجتمع الدولي» نفسه أمام انقلاب مليشيات «فجر ليبيا» على السلطة المنتخبة «ديمقراطياً» والمعترف بها دوليًا، ولم يحرك «المجتمع الدولي» ساكناً إزاء هذا الانقلاب واحتلالهم للعاصمة طرابلس وإعلان حكومتهم وبرلمانهم الانفصاليين في غرب البلاد في تهديد صريح لوحدة البلاد، وانقلاب على شرعيتها المنتخبة، ونفس هذا «المجتمع الدولي» لم يتهاون أو يهادن مع حراك الحوثيين في اليمن وكان لهم موقفهم الواضح والصريح ووصف احتلال الحوثيين للعاصمة صنعاء بأنه انقلاب سافر ومرفوض على السلطة الشرعية في اليمن.

كل ما فعلته «مليشيات الحوثيين» هو التطبيق الحرفي لسيناريو انقلاب مليشيات «فجر ليبيا»

رغم أن ما حدث في ليبيا منذ انقلاب «فجر ليبيا» على السلطة المنتخبة، لم يختلف عما حدث في اليمن، فإن كل ما فعلته «مليشيات الحوثيين» هو التطبيق الحرفي لسيناريو انقلاب مليشيات «فجر ليبيا» وقد استعاروا حتى الشعارات نفسها كذريعة حماية الثورة وتحقيق أهدافها، وميدانيًّا أيضًا انتهج الحوثيون نفس الأسلوب العسكري باحتلال العاصمة صنعاء واحتلال المطارات وكثير من المدن والقرى المحيطة بالعاصمة، وفرار السلطة الشرعية إلى عدن وإعلانها عاصمة مؤقتة أسوة بطبرق الليبية.

إلّا أنّ الفارق الأساسي والجوهري بين انقلاب مليشيات «الحوثيين» في اليمن وانقلاب مليشيات «فجر ليبيا» هو الموقف الدولي الحازم والصارم، والحالة الهستيرية التي انتابت مجلس الأمن الدولي ورفضه الصريح والواضح لما سماه بـ«انقلاب الحوثيين» في اليمن والتهديد باستخدام القوة لاستعادة الشرعية للحكومة المعترف بها دوليا، بينما على العكس تماماً كان موقف المجتمع الدولي ومجلس الأمن من «انقلاب فجر ليبيا».

فالمجتمع الدولي لم يدخر جهداً في الضغط على السلطة الشرعية المُمثلة في البرلمان الليبي المنتخب والمُعترَف به دوليا من أجل قبول التفاوض مع المليشيات الانقلابية بل والذهاب إلى ضرورة تقاسم السلطة معهم واعتبار انقلاب مليشيات «فجر ليبيا» أمرًا واقعًا بحكم سيطرتهم على العاصمة والمواقع الحيوية بالبلاد، وآخر الضغوط كانت التهديد الصريح والمباشر للبرلمان الليبي من قبل المبعوث الأممي بسحب الشرعية إذا لم يذعن لإملاءات ما يسمى بالدول الكبرى الداعمة لانقلاب فجر ليبيا. ليكتسب انقلاب «فجر ليبيا» الشرعية بقوة السلاح رغم أنف كل البسطاء الذين اصطفوا خلف صناديق الاقتراع، وصدقوا أوهام الديمقراطية.

الحل دائماً، هو القطيعة مع الخارج أيًّا كان وأن يتم توجيه رسالة للمجتمع الدولي ومبعوثهم في ليبيا مفادها أن (شكر الله سعيكم)

والسؤال هو، لماذا لم يتعامل المجتمع الدولي مع انقلاب مليشيات الحوثيين مثلما تعامل مع انقلاب مليشيات فجر ليبيا؟ ألا يستحق انقلاب الحوثيين التعاطف مع مظلــوميتهم السياسية والدينية أسوة برفاقـهم فجر ليبيا؟ وما سر هذا التوافق الخليجي في اليمن ووقوفهم صفاً واحداً في مواجهة الحوثيين، بينما يتشبثون بموقف مناقض تماماً إزاء الأزمة الليبية والحرص على استمرار حربهم العسكرية والسياسية والإعلامية في ليبيا؟

ليس سراً أن دول مجلس التعاون الخليجي أصبحت، وبشكل علني، اللاعب والممول الأساسي مالياً وإعلامياً وسياسياً لأغلب الحروب والنزاعات في الشرق الأوسط، وما الساحتان اليمنية والليبية، وأيضاً السورية والعراقية، إلا ملعبان من ملاعب الموت التي يفضل أمراء التعاون الخليجي ممارسة هوايات بسط نفوذهم فيها، وما توافقهم السحري ضد حراك الحوثيين إلا لأنهم شعروا بأن الحرب الطائفية ونفوذ خصمهم التاريخي إيران تقترب من ديارهم، فلم تتردد الأطراف الخليجية المتنازعة فيما بينها من اتخاذ موقف موّحد من الحالة اليمنية سياسياً وإعلامياً وعسكرياً أيضاً، بينما نفس الأطراف الخليجية تفضل استمرار ليبيا ساحة لتصفية الحسابات فيما بينها...! ألا يستحق الليبيون أن يشفق على أرواحهم وبلدهم مجلس التعاون وأن يوقف هذه الحرب ولو «الإعلامية» منها وأن يعلن الخليج موقفاً مُوّحَدا من الأزمة الليبية كما فعلوا مع الأزمة اليمنية أو أضعف الإيمان فليترك إعلام أمراء الخليج ليبيا وشأنها وتتوقف حمى الاستقطاب المتبادل بين أطراف الصراع الليبية والتحريض على القتل والخراب والدمار وتأجيج الانقسام...!

المجتمع الدولي لم يدخر جهداً في الضغط على السلطة الشرعية المُمثلة في البرلمان الليبي المنتخب والمُعترَف به دوليا من أجل قبول التفاوض مع المليشيات الانقلابية

الموقف «البراغماتي» أو النفعي لمجلس التعاون الخليجي ونقلهم لصراعاتهم بعيداً عن ديارهم موقف طبيعي طالما وجدوا أرضاً سائبة ودماء وأرواحا رخيصة، ويحسب لهم أيضاً حرصهم على ثوابت الأمن القومي لبلدانهم ومصالحهم رغم اختلافاتهم ونزاعاتهم، وهذا ما ينقص الأطراف الليبية الحمقاء والمتناحرة فيما بينها، وقد فقد المتحاربون الليبيون أي إحساس بالمسؤولية تجاه وطنهم أو الحرص على أمن بلادهم وارتضوا لعب دور البيادق في حروب لا تعـنيهم في شيء ولا أحد منهم مستفيد من هذه الحروب الغبية التي يخوضونها بالنيابة عن الآخرين.

وإن كان بالفعل ثمة أطراف معتدلة بين ما يسمى بمليشيات فجر ليبيا وكذلك ضمن ما يسمى بعملية الكرامة وإن كانت النوايا صادقة لمكافحة الإرهاب من قبل الطرفين فعلى القيادات العسكرية للطرفين قبول الحوار المباشر ودون وسطاء وعلى أرضهم ومحاولة الوصول إلى ثوابت وطنية مشتركة تجمع الطرفين وتوحد جهود الفصائل المعتدلة سواء من فجر ليبيا أو الكرامة لمواجهة أعدائهم الحقيقيين وقوى التطرف والإرهاب الذي أصبح خطره يهدد ليبيا بأسرها ولا يفرق ما بين هذا الفصيل أو ذاك.

فإن الحوار موقف مبدئي وأساسي لحل الأزمة الليبية، ولكنه، أبداً لن ينجح بقيادة"برناردينو ليون" الذي يتبع سياسة العصا والجزرة في إدارته للحوار الليبي، ولن يصل أبداً إلى حل للأزمة بقدر ما يسعى إلى تعقيدها والحفاظ على الحالة الراهنة أطول فترة ممكنة، وربما حتى نهاية ولاية البرلمان الحالي، لتدخل البلاد مأزقاً لا مخرج له إلا بتقسيم البلاد، وفرض الخارطة الجديدة. ولن يكون أمام الليبيين من خيار لإنهاء النزاع المسلح غير التقسيم، لذلك ينبغي أن يكون الحوار ليبيا ليبيا ويجب أن يكون ما بين أطراف النزاع الحقيقيين وداخل ليبيا وتحت إشراف البرلمان الليبي الشرعي والمنتخب، وبدون تدخل أي من الأطراف الدولية.

إن الحل دائماً، هو القطيعة مع الخارج أيًّا كان وأن يتم توجيه رسالة للمجتمع الدولي ومبعوثهم في ليبيا مفادها أن (شكر الله سعيكم)، فلا ليون ولا سفراء أوروبا وأمريكا ولا دول الخليج أو غيرهم قادرون على إرساء دعائم السلام والحفاظ على الوحدة الوطنية لليبيا مالم يقرر الليبيون بأنفسهم إنقاذ بلادهم وحل مشاكلهم واقتلاع شوكهم بأظافرهم. وأن يدركوا بأن الشجاعة ليست في مواجهة الموت بل في صناعة الحياة، فإن أي مخلوق أبله وبلا عقل يمكنه استخدام البندقية وقتل الآلاف، ولكن، ليس كل إنسان قادرا على محاورة خصمه وصنع السلام وإنقاذ حياة الملايين من أبناء وطنه. فاجنحوا للسلم جميعاً، فإن بناء الأوطان هو المهمة الأصعب.