Atwasat

"سجناء سياسيون" أم"سجناء رأي"؟!

عمر أبو القاسم الككلي السبت 21 مارس 2015, 11:01 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

انتباني استغراب شديد من الاعتراض الحاد الذي ثار فور إصدار المجلس الوطني الانتقالي القانون رقم 50 لسنة 2012 القاضي بتعويض"السجناء السياسين" عن فترة سجنهم، ووصول هذا الاعتراض حد الدعوة إلى القيام بمسيرات احتجاج. ومازال هذا الاستغراب قائما لديَّ حتى الآن لجهلي بالدوافع المحركة لهذا الموقف الذي مازال نشطا ولدى هذا العدد الكبير من الناس.

ظللت حوالي ثلاث سنوات أتجنب الكتابة حول هذا الموضوع خشية أن يفسر موقفي المرحب بهذا القرار على أنه لا يتصل بمبدأ عام وإنما لأنني صاحب مصلحة مباشرة في إقرار مبدأ التعويض وتنفيذه.

لكن لي، أيضا،مصلحة مباشرة في الديموقراطية وحقوق الإنسان، ولي مصلحة مباشرة في إقرار الأمن والأمان وبناء دولة ديموقراطية مدنية عصرية الأساس فيها حق المواطنة، ولي مصلحة مباشرة في إيجاد بنية تحتية كفؤة تلبي حاجات المواطن، ولي مصلحة مباشرة في زيادة الرواتب أو تخفيض سعر صرف الدولار ومراقبة الأسعار وكذلك في تحسين مستوى الرعاية الصحية وتطوير قطاع الصحة وتحسين مستوى خدمات الانترنت، إلخ. ولم يمنعني وجود هذه المصلحة المباشرة من الكتابة حول بعض هذه الجوانب. فلماذا تمنعني مصلحتي المباشرة في إقرار وتنفيذ مبدأ تعويض"السجناء السياسيين" من تناول هذه القضية في كتاباتي من خلال موقف داعم؟!

معروف أن مبدأ الإقرار بحق"السجناء السياسيين" في التعويض قد أقر منذ سنة 2009، أي في عهد معمر القذافي، حيث اعترفت الدولة القائمة حينها، أو اعترف النظام الذي يسيطر عليها، بالمسؤولية عن"بعض" انتهاكات حقوق الإنسان التي تمت في تلك الحقبة. وكما هي عادة نظام معمر القذافي في التلاعب وتجنب الاعتراف بالمسؤولية الكاملة عن الانتهاكات حُددت الفئات المقصودة من تعبير"السجناء السياسيين" بأولئك الذين بقوا في السجن مدة دون محاكمة وأولئك الذين تم الاحتفاظ بهم في السجن بعد قضائهم مدة محكوميتهم، بحيث يتم تعويضهم عن مدة الاحتفاظ هذه، وقُدرت قيمة التعويض بثلاثة آلاف دينار ليبي عن كل شهر.

قبل إقرار نظام معمر القذافي بهذا القدر من الانتهاكات، حدث مناخ سمح برفع قضايا بخصوص هذه الانتهاكات ضد الدولة وكانت المحاكم تحكم في بعض الحالات بمبالغ عالية. بل وتحكم أيضا بالتعويض لبعض ذوي السجين لما تعرضوا له من ضرر جراء سجن هذا الشخص. فعلى سبيل المثال أعرف شخصا قضى في السجن تسع سنوات دون محاكمة حكمت له المحكمة بتعويض قدره مليون دينار ليبي(وهي قيمة تتجاوز قيمة المبلغ المقرر له بموجب قرار المجلس الوطني الانتقالي المشار إليه) كما حكمت لوالدته بتعويض قدره مئة ألف دينار ليبي ولأخوته الراشدين حين سجنه بثلاثين ألف لكل منهم.

وإذن فمبدأ التعويض عن انتهاكات حقوق الإنسان، على المستوى الليبي، ليس بدعة من المجلس الوطني الانتقالي. وهذا القرار يدخل في إطار المصالحة بين الدولة والسجين المعني يتنازل السجين، في حالة الموافقة عليه، عن حقه في متابعة الدولة قضائيا بهذا الخصوص مستقبلا. ويمكن للسجين عدم القبول بهذا العرض واللجوء إلى القضاء.

مصطلح"السجين السياسي" أو السجناء السياسيون" غامض وفضفاض والمصطلح الأكثر دقة المستعمل في أدبيات حقوق الإنسان هو مصطلح"سجناء الرأي"

الأساس في الضجيج الجاري والغبار المثار حول مسألة تعويض"السجناء السياسيين" هو محاولات الابتزاز الأخلاقي الفج القائلة بأنه لا يجوز منح المناضلين"مكافأة" عن نضالهم الذي قاموا به بإرادتهم، متناسين حقيقة أن ما حدث هو انتهاك لحقوق غير قابلة للتصرف، وليس تصديا للنظام. وبالتالي فهي ممارسة للظلم من جانب النظام وليس نضالا من جانب المظلومين! فسجنُ شخص سنواتٍ لأنه قال نكتة أو رأيا في جلسة خاصة تنال من النظام وأبلغ عنه أحد الجالسين أجهزة الأمن يعد انتهاكا فاضحا من قبل"الدولة" وليس نضالا من قبل هذا الشخص. وسجنُ كاتب أو أديب بسبب مقال أو عمل إبداعي نشره يعد انتهاكا لأبسط حقوقه وليس نضالا من قبله. وتلفيقُ تهمة لمجموعة من المثقفين والأدباء بأنهم يشكلون تنظيما حزبيا وسجنُهم بسبب ذلك يمثل انتهاكا وظلما وليس فعلا نضاليا متعمدا، وكذلك سجن مجموعة من الطلبة بسبب نشاطهم الجامعي العادي، وما شابه ذلك.

وإذن فينبغي النظر إلى هذه القضية ليس من وجهة نظر"المماحكات" الأخلاقية، وإنما من وجهة نظر المباديء الحقوقية العامة والقواعد القانونية القاضية بحق المتضررين في رفع دعاوى على الجهات الاعتبارية والخاصة يطالبون فيها بجبر الضرر عما لحقهم من حيف.

كان يمكن إثارة اعتراضات وجيهة تتعلق، لا بمبدأ التعويض الذي هو حق قانوني باعتباره"جبرا للضرر"، وإنما بتعريف مصطلح"السجين السياسي".
فمصطلح"السجين السياسي" أو السجناء السياسيون" غامض وفضفاض. والمصطلح الأكثر دقة المستعمل في أدبيات حقوق الإنسان هو مصطلح"سجناء الرأي" أو"سجناء الضمير" وبالتالي فهو يقتصر على أولئك السجناء الذين التزموا الطرق السلمية في التعبير عن آرائهم ولم يحاولوا فرض هذه الآراء بالقوة. وهذا التعريف يستبعد طبعا محاولات الانقلابات العسكرية التي تعاقب عليها جميع قوانين العالم(من حق هؤلاء طبعا المطالبة بمراجعة صحة التهم الموجهة إليهم إذا كانت التهم ملفقة، أو تناسب العقوبة مع الفعل، إلخ) ويستبعد أيضا السجناء الذين انتهجوا العنف، أو خططوا لانتهاجه، لتحقيق أغراض سياسية، فهنا الدافع سياسي ولكن العمل جنائي، وإذن تتم معاملته حسب قانون الجنايات النافذ.

وعلى هذا الأساس يكون الجديرون بالتعويض هم"سجناء الرأي" حسب التعريف الذي أوردناه.