Atwasat

منحنى الفرح (خربشات على حائط الفيس)

سالم العوكلي الإثنين 16 مارس 2015, 10:38 صباحا
سالم العوكلي

لكل متعامل مع الفيس أرشيف مشاعر وآراء، عندما يكتب على حائطه إجابة سؤال ثابت: بمِ تفكر؟. هذه محاولة للعودة إلى أرشيفي الخاص على صفحتي بالفيس بوك على مدى أربع سنوات، (من 1 يناير 2011 إلى 1 يناير 2015 )، ومن خلال مراجعتها لاحظت عدة أمور. ثمة فترات توقف طويلة في تعاملي مع النت(لم أدخل الفيس طيلة عام 2012 )، وترجع أسبابها إلى انقطاعات في النت، أو انشغال بأمور أخرى، أو نتيجة لمزاجي الخاص الذي كثيرا ما يجعلني أبتعد عن هذا العالم صوب عالم الكتب، كما يمكن ملاحظة منحنى الفرح الذي يبلغ ذروته مع سقوط النظام ثم يبدأ في الهبوط بشكل مخيف، وهو منحنى سيجده تقريبا أي زبون للفيس، تابعَ شؤون ليبيا بعد فبراير، في أرشيفه. كما يمكن رصد بعض الحدوس الخاطئة وبعضها الصائب. وفي المجمل ارتبط حائط الفيس بتسجيل المشاعر الفورية التي لا نملك في النهاية إلا الشفقة عليها مما يحاك لها فوق الأرض.

* 1 يناير 2011 : الشاعر علي الكيلاني يمنع أغاني فيروز في الإذاعات المحلية: كنت أستمتع في أوقات محددة بأغاني فيروز في إذاعة درنة المحلية، لكنها توقفت فجأة وحلت محلها أغانٍ تحتاج معها إلى علبة بنادول، سألت أحد العاملين في الإذاعة عن السبب، فقال لي هذا نتيجة تعليمات من أمين هيأة إذاعات الجماهيرية(علي الكيلاني) التي تمنع بث الأغاني العربية. علي الكيلاني ينتج أغاني تكيل المديح للبداوة والإبل والنجوع والتنانير وحياة الفاقة وهو يتمتع بكل ما أنتجته الحياة الحديثة من رفاه. وعلى كل نحمد الله أننا ضمن هذا العصر الذي يأتينا بالموسيقى والجمال عبر آلاف الأبواب والنوافذ.

* 11 يناير 2011 : الشعب يريد إسقاط النظام. هتاف جديد على الشوارع العربية، هتاف نثري غير موزون وغير مقفى سيغير المنطقة كلها. فليحيا النثر والقصيدة النثرية.

* 14 يناير 2011 : ليبيون يقتحمون الشقق السكنية ويسرقون مخازن الشركات، كوريون يلتقطون الصور التذكارية كي يشاهدها أولادهم ويعرفوا أن مازال هناك همج على سطح الأرض وفي الألفية الثالثة.

* 28 يناير 2011 : ثمة خلط كبير فيما يخص تسمية ما يحدث في مصر بالمظاهرات، لأن ما يحدث ثورة وليست مظاهرات، والثورات الشعبية لابد أن تصحبها فوضى خلاقة. المظاهرات تحدث في الدول الديمقراطية أما الدكتاتوريات فلا يمكن أن تحدث فيها إلا ثورات شعبية.

* 28 يناير 2011 : زين العابدين يلوذ بالسعودية.. أنا أفكر في معرض سيقام يوما ما للرؤساء المخلوعين في السعودية.

* 4 فبراير 2011 : فازت اليمن بتنظيم فعاليات الثورة القادمة على أرضها بعد ترجيح كفة ملفها الذي قدمته وما تملكه من إمكانات كبيرة لاستضافة الدورة القادمة، حيث تملك أكبر قدر من معالم الفقر السياحية، وملاعب جديدة للقمع، ومنظومة اتصالات قوية للتوريث, فضلا عن الحضور الجماهيري الكبير الذي يتوقع. والتدابير الأمنية جارية من أجل نجاح هذه الثورة والمتوقع أن يخرج المضيف من الأدوار الأولى بسبب ضعف مستواه ونقص اللياقة البدنية.

* 15 فبراير 2011: تطرقت النخب الثقافية الليبية، منذ عقدين، لمسائل الإصلاح في ليبيا، وإطلاق الحريات، والعدالة الاجتماعية، ثم جاء سيف الإسلام ليحشد الشباب ويتبنى هذه المطالب وبسقف أعلى، فشكلت لجنة لصياغة الدستور، وأطلقت المنابر، وقانون جديد لمنظمات المجتمع المدني، ودعاوى محاربة الفساد، وإصلاح القضاء واستقلاليته، وإلغاء المحاكم الاستثنائية، وأُنشيء مركز للدراسات الديمقراطية، وأطلِقت بعض الصحف والقنوات الفضائية التي تملك هامشا للتعبير وكشف الفساد وغير ذلك من الخطوات على الطريق، كما أعلن سيف الإسلام أكثر من مرة أنه ضد التوريث. لكن كل ذلك تم إحباطه وإجهاضه من قبل الحرس القديم الذي عاد الآن لأساليب الوعيد والتهديد والتخوين التي أثبتت فشلها في أشد الأماكن استخداما لها واستخداما للعنف. ولو تم إنجاز كل هذه الخطوات لاستبقت ليبيا الأحداث، وخرجت بكرامة من هذا النفق عبر تلبية رغبات الشباب الذين هم في الواقع تجاوزوا المرحلة بكثير، وغدت أحلامهم ورغباتهم مختلفة عن هذا الحرس القديم الذي لا يمكن أن يتنفس إلا في أجواء الفوضى والقمع.

* 25 مارس 2011: عندما كنت أناقش بعض الأصدقاء أثناء الثورة المصرية عن إمكانية قيام ثورة في ليبيا لإسقاط النظام قلت لهم إذا حدثت في ليبيا ثورة فإنها ستكون ثورةً في القرن الثامن عشر لأن هذا النظام يتصرف بعقلية متخلفة ولأن ليبيا مغلقة وخالية من مكاتب القنوات الفضائية.

* 30 مارس 2011 : مصراتة.. أنت بوابة الحرية ، كل العالم عيونه صوبك ليتجدد الأمل، صرت أغنية أطفالنا، وملحمة للعناد تقول إن الشوق للخلاص لن تسكته الراجمات ولا جنون الطاغية. الذي لا يعرف تاريخك... لا يعرف أسطورتك.

* 11 أغسطس 2011: أناشيد الحياة مكتوبة على حوائط المدن العربية الجامحة.. عبارات الحرية المكتوبة بخط ركيك وبأخطاء إملائية هي الأجمل منذ عقود.. خربشات الجيل المارق أحالت حوائطنا من حوائط مبكى إلى حوائط فرح غامر. كل ذلك بدأ من حائط افتراضي نحيل على الفيس بوك..

* 20 أغسطس 2011: الليبيون يريدون أن يكونوا ديمقراطيين في يوم وليلة.. الديمقراطية ثقافة وتربية وقصة معقدة. لا يعني القضاء على حكم استبدادي بداية عصر ديمقراطي. مازال المشوار طويلاً لأنه في داخل كل منا طاغية صغير.

* 23 أغسطس 2011: ليبيا التي خُطفت لأربعة عقود تعود بسلام لأهلها فألف رحمة على شهدائنا الأبرار وألف تحية لثوارنا الأحرار وللأمهات اللائي يزغردن خلف جثامين أبنائهن وألف سلام على خدود الأطفال المزينة بألوان الاستقلال. والآن حان الوقت لنبني ليبيا الحرة كما حلمنا بها. فانسوا الضغائن والأحقاد ولتكن الحقيقة والمصالحة عنوان طريقنا القادم، والمحاكمة العادلة لكل من سبب أذى لغيره أو عاث فسادا في مقدراتنا.

* 23 سبتمبر 2011: سألت شايب: شنو الفرق؟ زمان بعد خروج الطليان، الليبيين تصالحوا وداروا دستور بسرعة وبنوا الدولة على أسس رغم الفقر والأمية. وتوا موش قادرين يصالحوا ولا يديروا دستور ولا يبنوا جيش ولا يأسسوا لدولة، فقال لي وهو يحك جبينه: زمان كان الليبيين أخوان كلهم وما فيش أخوان مسلمين ، وما كانش فيه نفط يتعاركوا عليه.

* 3 ديسمبر 2013: رغم تميزها التقني والحرفي، إلا أنني غير مرتاح لقناة النبأ، فهي من سلالة الجزيرة، ممولة بمبلغ مالي ضخم من قطر، يديرها متشددون دينيون. أتمنى أن يكون قلقي في غير محله.

* 16 ديسمبر 2013: سبق تاريخي: الليبيون هم الشعب الوحيد في التاريخ وفي العالم الذين قتلوا مُنظِّرهم من أجل ان يطبقوا نظريته التي عجز عن تطبيقها.

* 31 مارس 2014: في طريقي إلى درنة توقفت بقرية بيت ثامر لأستبدل زيت السيارة، وكان بالمحل حوالي عشرة أنواع من الزيوت، فقلت للشاب: أي نوع من هذه الزيوت أفضل؟ فقال لي والله ماني عارف كلهن زيوت اختار واحد، فقلت له زمان كان الموجود نوع واحد نستعملوا فيه ومتريحين.. كثرة الزيوت أربكتنا. فمسح يديه بخرقة سوداء من أثر الزيوت المحروقة وقال لي: وكان زمان الموجود طاغية واحد خذينا عليه وتوا آلاف الطغاة، وكان زمان علم واحد وتوا كثرن الأعلام. وكان زمان قناة تلفزيونية وحدة تكذب علينا وتوا مية قناة كلهن يكذبن. وبعد أن أنهى كلامه ومهمته قلت له: فعلا الأشياء المتعددة لا تعني التعددية. فرمقني بنظرة استهزاء وقال لي وهو يمسح يديه بخرقة سوداء: حوًل سيارتك فيه واحد يرجى بعدك. وعندما حركت سيارتي رفع خرقته السوداء وقال لي: هذا هو العلم الوحيد الذي يعنيني من صراع كل هذه الأعلام.

* 26 سبتمبر 2014: الفجر في ليبيا لم يكن أبدا تعبيرا رومانسيا، فقد ارتبط فجر ليبيا منذ قرن بكل ما هو مرعب، الطليان حطوا على الأراضي الليبية في ساعات الفجر الأولى، وأصبح الفجر موعدهم الثابت للقبض أو القتل أو الاختطاف أو اقتحام النواجع، وفي العقود الأربعة الأخيرة اشتهر الفجر بدوام عمل الاستخبارات والقبض والتصفية والاختطاف واقتحام البيوت، فكم هي بليغة تسمية(فجر ليبيا ) وكم هي معبرة عن كل ذلك.

* من فجر الأوديسة إلى فجر ليبيا، كثرت الفجور في ليبيا حتى وصلت بها إلى حالة قصوى من الفجور.

* 6 نوفمبر 2014: أحس أن عبارة(عراقة القضاء الليبي) في الحديث عن(المحكمة الدستورية) في بلد فيها حرب أهلية مثل الحديث عن الآيس كريم في سجن عربي أصيل.

* 14 نوفمبر 2014: كلما تسللت مفردة(فجر) إلى قصيدتي طردتها، كم أحببت في طفولتي الفجر واللون الأخضر والضحك، زمن جعلني أكره اللون الأخضر، وزمن جعلني أكره الفجر، أتمنى أن لا يأتي زمن يجعلني أكره الضحك.

التقيت اليوم في مقهى النجمة بدرنة بصديق مصري لم أره من زمان. قال لي: يا أستاذ سالم أنا اشتغلت في السعودية وفي تركيا وفي قطر وفي دبي. ما شفتش ناس زي الليبيين

* 19 نوفمبر 2014: التقيت اليوم في مقهى النجمة بدرنة بصديق مصري لم أره من زمان. قال لي: يا أستاذ سالم أنا اشتغلت في السعودية وفي تركيا وفي قطر وفي دبي. ما شفتش ناس زي الليبيين.. طيبة وتواضع وبيخافوا ربنا. هو أيه اللي حصل يا أستاز سالم؟. وظل مركزا ينتظر مني الإجابة في المقهى على أصعب سؤال يمكن طرحه الآن. قلت له: سؤالك صعب يا سيد ومعقد جداً وشائك. بس اللي ممكن نقوله لك إن الدول اللي اشتغلت فيها جاءت وراءك إلى ليبيا. فنظر حوله وكأنه يبحث عنهم. قلت له لا هم موش بايننين لأن عندهم وكلاء ليبييين يعملون بالنيابة عنهم. دول تصدر أزماتها وتتحارب عندنا. نظر إلى ساعته ونهض قائلاً: أيه الغباء ده؟ ودفع ثمن قهوتي ومضى، دون أن أعرف إذا كان يقصدني بالغباء أم الدول التي سبق ذكرها أم الليبيين.

* 22 نوفمبر 2014: مخطيء من يسمي الحرب في ليبيا حربا أهلية، هي حرب عالمية، بين أميركا والدول الأوربية، بين تركيا وقطر من جهة، والسعودية والإمارات من جهة أخرى، بين الجزائر ومصر، حرب دولية استضفناها على أرضنا حين لم نستطع استضافة كأس العالم ولا بطولة الأمم الأفريقية، وقد رشحت بنانا التحتية المنهارة، والفراغ الأمني والسياسي، والوكلاء المفعمون بالنشاط والخيانة، وتوفر السلاح والذخيرة، الملفَّ الليبي بجدارة لاستضافة هذه الحرب التي لا علاقة لنا بها سوى كوننا أدواتها ووقودها.

* 31 ديسمبر 2014: البشر الذين يحتفلون برأس السنة لديهم القدرة على أن يضعوا حدا فاصلا بين السنة الذاهبة والسنة القادمة، سنواتنا لا ملامح لها، لا ذيل لها ولا رأس، ولا حدود فاصلة.
اشتعلت النار في صهاريج النفط سنة 2014 واستمرت مشتعلة إلى سنة 2015 وكأن النار صهرت العامين معا، لذلك لم أحس بالفاصل، والدخان الأسود المنبعث من قوتنا يمحو ذلك الحد الدقيق الذي يحتفل على ضفته العالم ويطلق ألعابه النارية.  ليس لنا رأس سنة لأنه في الأساس ليس لنا رأس.

وعلى ذكر الرأس والرؤوس، لم أندم على شيء في حياتي إلا على مشاركتي ذات يوم في هتاف: أرفع راسك فوق .. أنت ليبي حر. ومن قال أن لرفع الرأس علاقة بالحرية؟ يمكنك أن تسير مثل إنشتاين أو غاندي أو سمويل بيكيت، أو عمر المختار، مطأطئ الرأس وفي ذروة إحساسك بالحرية.

أتأمل صور كائنات أخرى، مثل هتلر وستالين وموسوليني والقذافي وأردوغان، رافعين رؤوسهم للدرجة التي لا يستطيعون رؤية البشر أمامهم،أو الخراب تحت أقدامهم.

رؤوسهم مرفوعة جدا، ولكن لا علاقة لهم، من قريب أو بعيد، بالحرية.

سنتي ليس لها رأس مثل تماثيل قورينا ومثل الجثث المجهولة الهوية ومثل من يحرقون قوتنا، ليس لها رأس.

فاعذروني إن لم أكتب على صفحتي: كل عام وأنتم بخير.