Atwasat

شاعرُ الوطن: الحوار الوطني باعَ الوطن ببلاش ! [ رسالة إلى رئيس وأعضاء مجلس النواب وحكومته الشجعان، والشخصيات الوطنية ]

أحمد الفيتوري الأحد 15 مارس 2015, 10:40 صباحا
أحمد الفيتوري

"نحن
لم نتبين ما نرنو إليه
ما نرنو إليه
تبين أنه نحن"

1. أما قبل هذا الحوار الوطني
عقب الحرب العالمية الثانية وهزيمة العدو الفاشي الإيطالي انبثق حوارٌ وطني ليبي. كان أحمد رفيق المهدوي شاعر الوطن في شارع قرب القاعة التي يُعقد فيها هذا الحوار، فمر بجانبه صبي يبيع الصحف ويلوح بيده بصحيفة الوطن مناديا: الوطن بقرش... الوطن بقرش، قاطعه الشاعر مشيرا بيده إلى قاعة الاجتماع: الوطن باعوه ببلاش.

إدريس السنوسي الجريء في انسحابه كان أيضا مُباغتا في هجومه، في تلك اللحظة خرج عن الحوار الوطني بإعلان إمارة برقة، باغت الجميع وتحول إلى مركز الدائرة من الرافضين خطوته وممن اعتبرها قاعدة راسخة لحوار وطني يمتلك زمام الأمر، بعدها قُلبت الصفحة ولم يعد أحد يعتبرها من مثالبه.

كان القذافي قد أجرى حوارا سرياً مع أطرافٍ من المعارضة عقب هزيمته في تشاد، عاد من هذا الحوار ليُعلن في مارس 1988 مبادرته بإطلاق سراح سجناء الرأي في ليبيا وغيرها من الإجراءات المماثلة، مما شابه انقلابا قام به بنفسه على نفسه، بهذه الخطوة هرب القذافي إلى الأمام ثم اتخذ موقف محلك سِر.

في الحالة الأولى انبثق عن الحوار الوطني الذي جرى عقب الحرب الثانية، أن صاحب الجيش السنوسي أنشأ الدولة الليبية الحديثة، التي انقلب القذافي على مُؤسسها مستخدما ذات الجيش الأداة المُؤسسة، أطاح بالدولة الناشئة ولم يُنشيء دولة. في الحالة الثانية اتخذ حوار 1988 السري كذريعة ليوثق الديكتاتور مسكه بلجام البلاد، وخسرت المعارضة معركتها وتشتت أمرها.

من عباءة القذافي الحي الميت خرج مشروع التوريث ما أيدهُ إخوان ليبيا على عجل ودون روية

في لندن عام 2005 أقامت المعارضةُ الليبية في الخارج مؤتمرا وطنيا، كان عملا ناجحا بمعايير زمن الميديا المُستحدث، حيثُ للمرة الأولى يعرف الليبيون أن ثمة معارضة تخصهم وتخص معارضتهم للنظام الفاسد ما استنزفهم حتى النخاع، ذلكم المؤتمر رفضت جماعة الاخوان الليبية المشاركة فيه، لكن القذافي المُنهك والعجوز تفاعل بمكر الطبيعة فيه مع هذا المتغير، وأعلن ابنه الثاني (سيف) مشروعا كما لو كان المشروع استجابة للعناصر الأساس التي حوصلها لقاء لندن 2005 م، من عباءة القذافي الحي الميت خرج مشروع التوريث ما أيدهُ إخوان ليبيا على عجل ودون روية، أما بالنسبة للمعارضة الوطنية فقد شتت أمرها ما انبثق(تقريبا ) من آخر أنفاسها.

هكذا قام الليبيون في 17 فبراير2011م بانتفاضتهم والانقسام بيانهم المسكوت عنه، لقد وحدتهم معركة، لكن الحرب كانت تحصيل الحاصل بين أطراف متباينة وذات هدف غير مشترك، ولذلك كل ما أعقب سقوط القذافي كان صراعا على السلطة بين الليبيين الوطنيين وبين القوى غير الوطنية التي تدعي أن الإسلام(وطنها)، والتي خاضت معركة سياسية تحت جناح السلاح ولم تجنح للسلم، منذ اللحظة الأولى اتخذت من القتال وسيلة، ومن السلاح سبيلا لتكريس هيمنتها، كان الوطنيون يحاورن أوهامهم ويخلطون المسائل وينقسمون ويتشتتون، في حين الطرف الآخر الإسلامي هيمن على السلاح وعلى السياسة بالسلاح، شعاره أن الذي يسيطر على الأرض يعترف به الجميع الراضي والصاغر، أو كما فعل إدريس السنوسي- لسان حالها- من اعترفت به بريطانيا الدولة العظمى التي جيشها الحقيقة الوحيدة في البلاد.

حتى مايو 2014 م كان المُسيطرَ والعازلَ والمُهيمن، هي القوى اللاوطنية أو القوى المتدثرة بثوب الدين، كانوا ورثة القذافي في الآيدولوجيا والممارسة، ولعلهم لهذا اعتبروا كل من يخالفهم من الأزلام، أي من أتباع القذافي المخالفين الذين لابد من استئصالهم، عقب مايو 2014 انبثق فجر ليبيا ضد إعلان معركة الكرامة وثبت بذلك على الأرض واقع تقسيم البلاد، وإن لم تعلن إمارة برقة هذه المرة، لكن يمكن اعتبار فجر ليبيا كإعلان لهكذا إمارة.

2 – الحوار الوطني والدور الدولي
لو عدنا والعود أحمد، إلى الحوار الوطني الذي تم عقب الحرب الثانية، سنجد أن الدور الأساس كان الخارج من باكستان حتى هايتي ومن بيفن وسفورزا حتى ستالين و عبدالرحمن عزام،(انظر كتاب: صفحات من المذكرات السرية لأول أمين عام للجامعة العربية– جميل عارف– الهيئة المصرية العامة للكتاب– الطبعة الأولى 2013)، ويرتكز هذا الفاعل على الداخل، أي صخرة الواقع" جغرافيا ليبيا الغامضة التي كانت منطقتها الغربية المتمثلة في إقليم طرابلس موجهة نحو تونس عبر التاريخ، بينما كانت منطقتها الشرقية المتمثلة في إقليم برقة– أي بنغازي– موجهة دائما نحو مصر، هذه الجغرافيا الأقل تماسكا تطلبت ضروبا أكثر تطرفا– (أو كما جاء في كتاب انتقام الجغرافيا– روبرت كابلان– عالم المعرفة يناير 2015 م).

وهكذا غص الحوار الوطني بتضاريس البلاد التي كما هي البلاد هي الشوك في الحلقوم

وهكذا غص الحوار الوطني بتضاريس البلاد التي كما هي البلاد هي الشوك في الحلقوم، ما عمل القذافي خلال عقوده على الفرار منه إلى الخارج. وفي ذلكم الحوار ظن ستالين أنه من الممكن مد رجليه إلى المياه الدافئة بالحصول من الأمم المتحدة على قرار انتداب على ليبيا، كما ظن عزام أنه سيكون حل العقدة أي أن يكون ملك ليبيا، لكن كانا صاحبي الحل المُمسكين بالعروة الوثقى من يملكان جيشا على الأرض: الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى. فهل التاريخ يعيدُ نفسه أم أن الجغرافيا منحت الدور للقوى الفاعلة في ليبيا، فالولايات المتحدة كما بريطانيا ساهمتا في تحرر الليبيين من الديكتاتورية التي هيمنت على البلاد لعقود، وهما من دعمتا المقاتلين على الأرض، وكانا يدعمان جماعات كفلول الجماعة المقاتلة، بل أن السفير الأمريكي قُتل من قبل جماعات كانت له علاقة ما بها، والأمم المتحدة التي كان لها الدور المحوري في المسألة الليبية منذ انبثاق انتفاضة فبراير 2011 وكان دورها هذا معززا بالإرادة الأنجلو أمريكية. سردُ وقائع كهذه لتبيان التداخل والالتباس اللذين يظهران في الدور الخارجي الفاعل في المسألة الليبية.

ومن هذا فالمندوب الأممي مثلا ليس بالمقاول الشخصي بل هو ممثل لأجندة تخص المصالح الدولية– نعنى القوى الدولية المهيمنة - والنهج لتحقيقها، وقد كان الدور الأممي منذ اللحظة الاستثنائية لليبيا هو الدور الأبرز، و لا يختلف في تمثيل هذا الدور الممثل برناردينو ليون عن طارق متري إلا بمقدار ما تتيحه الشخصية في التعبير عن نفسها، والمُتابع لمجريات الحوار الوطني قبل مايو 2014 وما بعده سيلاحظ حالة من التعمية والتسويف ترافقان هذه المجريات، فسرها أحد الشخصيات اللبنانية أن الشرق الأوسط لأول مرة جملة وتفصيلا على الطاولة وهذا من دواعي عدم التعجل وعدم الوضوح وليس العكس، فالثوب عند العنق يحتاج إلى عقد متينة ومضبوطة. ولا يختلف الدور الأممي في ليبيا عنه في اليمن بل في كلا الحالين بل وفي غيرهما ترمى الكرة على الخصوم حيث يطلب منهما ما ليس بمستطاعهما، وبرناردينو يمثل جهة اعتبارية وجودها في الحقيقة افتراضي يكون فاعلا بالتراضي بين الأطراف والعكس صحيح.

3 – حوار وطني= حكومة وطنية
غاب البرنامج عن القوى الوطنية الليبية منذ مطلع فبراير 2011م وحتى الساعة، والحديث حول خارطة طريق كما مضغ ماء، وكانت هذه القوى كشخصيات وطنية وكمنظمات ومؤسسات جنينيه صاحبة ردود أفعال ومشاريع عامة هي أقرب للكليات الفلسفية منها إلى الواقع.

ومن تحصيل الحاصل أن من لا يُحبك يحلم لك الحلم الشين، فالطرف الدولي غير المعنى بالعجلة، أو كما عبر المندوب البريطاني: ليبيا لم يصل حالها حال الصومال، ينتظر من الطرف الوطني أن يقدم خُلاصة خَلاصهِ أي خارطة الطريق فهو المعني أولا وأخير بإنقاذ الوطن، ولعل هذا دافع برناردينو أن يضع الجرس في رقبة القط: حكومة إنقاذ وطني هي كما حل سحري تجمع الشيح والشبرق وتتدبر أمرها، وليس من مهام المندوب الأممي وضع البرنامج الوطني لحكومة الإنقاذ، وحين نتذكر فإن الحوار الوطني في جلسة من جلساته وضع مواصفات لرئيس الحكومة، المواصفات الشخصية وكأنه سيمثل البلاد في مباراة ملاكمة فكرية ولم يهتم ببرنامج هذه الحكومة، أما بالنسبة للخصوم وهم عدة متباينة فيعد تحضير أرواح الحكومة غلبة لهم لأن من مستلزمات ذلك حل مجلس النواب، مجلس النواب الذي نسي أو تناسي مهمته الأساس وضع خارطة طريق للحوار ولما ينبثق عنه، لأنه هو الممثل الشرعي للشعب والمُعترف به دوليا، أما همَ التيار الوطني فانحصـر في مهمـة من يكون رئيس الوزراء؟.

لماذا يرتبك البرلمان وحكومة البرلمان وشعب البرلمان والشخصيات الداعمة للبرلمان؟ لأن الكل يُغني على ليبياه، بل ليس من اختصاص لذي اختصاص: وزير الثقافة الناطق العسكري، ووزير الإعلام القائد العسكري، ولأن فلانا يكون القذافي ديكتاتورا صغيرا معه، ولأن علانا سوبر وطني، ولأن الكل شكاي بكاي: يري كل الليبيين أن ليس في الهم ما تختار، لقد أربكت تضاريس المسألة الليبية بغموضها كل من ظن أنه الفاتق الناطق.

نحن على عجلة من أمرنا لا نقرأ ولا نبحث ولا ندرس تضاريس البلاد، تاريخ البلاد، ساعة البلاد، فلا نعرف كأبناء للبلاد البلاد، لهذا نرى في المرآة يُتمَنا، ونحن من استأصل روح الآباء، رغم أنه من الحكمة أن من ليس له كبير يخلق كبيره أو ينتزعه نزعا، الآن في عنق الزجاجة المظلم لَعَنُ الظلام وليس في اليد شمعة ما من خارطة طريق، وكما السُذج نبحثُ عمن يرسمها لنا.

مرة ثانية، على التيار الوطني أن يُبادر منه المُبادر للقاء ليبيا الوطن لشخصيات تمتلك ما تقول في ذلك أي وضع خارطة طريق.