Atwasat

إرهاب المغرر بهم!؟

صالح الحاراتي الأربعاء 11 مارس 2015, 10:08 صباحا
صالح الحاراتي

كثيرا ما تتردد وتقال، فى النقاشات والمماحكات السياسية والفكرية، مفردات وأوصاف تستحق أن نتأملها.. منها.. إن تلك الجماعة مغرر بها أو إن فلانا مغرر به!!!؟ ويستخدم هذا التعبير من كافة الأطراف المتنازعة لوصف آخرين يقفون فى الضفة المقابلة!؟

لِنَرَ، بداية، ماذا تعنى مغرر به لغة... ففى المعجم يقال: غرَّر به: أى أضلَّه، وعرَّضه للهلاك:- بنفسه وماله- استغلَّ غفلته فأضلّه:- لم يكن ليفعل هذا- لولا أن غرَّر به أصحابُه:- تغرير بالقاصِر: تضليله وحمله على ما لا يحلّ ،- سؤال تغريريّ : أى خدَّاع، باعث على الضَّلال.

ذلك ما يبدو لغة.. ولكن اصطلاحا فالجميع يوظفه حسب قناعاته ورؤيته، وأنا ممن يحاول أن يعرف أكثر فأقول: إن المغرر به هو ذاك الشخص الذي يعمل عملاً بلا فهم ودراية وبعقل مغيب..!؟ نعم هو العقل المغيب..

ﻷننا، لو تجاوزنا المغيبات الكيميائية، سنجد مغيبات أخرى للعقل ﻻ تقل خطورة، كالخرافة والوهم، تجد طريقها إلى عقول البعض عندما يتخلون بكل طواعية عن أعز وأغلى ما يميز الإنسان، وهو عقله. فالعقل المغيب ﻻ يدرك أنه كذلك. وهو عقل ثابت ومحصن ببرمجة ممنهجة تتم بشكل دوري من خلال أوصياء عليه ويتحول مع نظرائه إلى نخسة مكررة منفصلة عن الواقع تعيش فى عالم من الأوهام والفهوم الفاسدة.. أي إلى أجساد ﻻ ترى وﻻ تسمع وﻻ تدرك حقيقتها. والنتيجة أن حركة المغرر به تتم وفق نظام القطيع... حتى صار للمغر بهم توصيف سائد اختصره البعض فى لفظ"الخرفان"!؟.

هذة العقول لا تفكر ولا تحلل ولا تستنتج.. وليس لها أي دور سوى الانقياد والتبعية للغير.. فهي عقول مؤجرة كما قال لى صديق...؟

الأرجح أن مفردة المغرر به تعني كل من تعرض لغسل دماغ وتم إغراؤه وتغييب عقله واستلاب إرادته وسُرق منه عقله حتى أصبح حاله كعابر صحراء فقد راحلته ووقف مذهوﻻ يضرب خبط عشواء فى فراع قاتل.

ما يعنينى هنا هو سلوك الإرهابين القتلة. إذ غالبا ما أستمع إلى قول يتردد مفاده أن الإرهابين شباب مغرر بهم!؟

لا بد وأن أقر بأننى، من خلال متابعتى لرسائلهم الصوتية والمرئية، أميل إلى أنهم فعلا كذلك، ﻷن أكير إغراء واستلاب هو، وﻻ شك، ما ارتبط بالمقدسات الدينية كالجنة وحور العين..ومنزلة الشهادة والشهيد، إلخ.. فى تعدٍ واضح على الله في ضمانهم جنته لأنفسهم وتكفير غيرهم..!؟ وقد عملت تيارات الإسلام السياسى على تقديم المبررات الفقهية من خلال تصورها الخاص للدين باختزاله فى مجرد شعارات فضفاضة كاذبة يسهل على العقل المغيب ترديدها دونما فهم ووعي ودراية مما يساعد على استمرارية تغييب عقول أولئك الشباب الذين نصفهم بـ"المغرر بهم".

عندما نلاحظ رسائل أهل المفخخات نتبين من خطابهم أن تحصيلهم المعرفي ضعيف وحتى الدينى منه وما هو سوى مفردات يكررونها فى نمطية ببغائية واحدة ﻻ تخرج عن: جئناكم بالذبح..أبشروا بما يسوؤكم....... الجنة فى انتظارنا.. حور العين تنتظرنا.. إلخ!! مما يؤكد أنهم تعرضوا لغسيل دماغٍ وتشويهٍ للحقائق وخداعٍ بعناوين مقدسة تقبلوها بحماسهم واندفاعهم ورعونتهم ، يمكنني الجزم بأن حالهم صار كحال سائر المرضى النفسيين.

وحالة كهذه تدعونا للبحث.. كيف تأَتَّى غسل تلك العقول رغم ما يرونه من بشاعة ووحشية أفعال من سبقهم فى طريق التوحش والإرهاب!؟

فى ظني هناك عدة عوامل مجتمعة، نفسية واجتماعية وثقافية واقتصادية، وليس من الإنصاف أن نعزوَ الأمر لعامل واحد... البيئة والمحيط الثقافي الذي نشأ فيه المغرر به له دور، والتأثير الأسرى له دور.. يقول د. أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسي(إن دراسات أشارت إلى أن ما يميزهم هو: غياب النسيج المجتمعى المساند، والتفكك الأسرى والرغبة في الانضمام والانتماء لمجموعة تكسبه نوعا من احترام الذات والهوية، والرغبة فى الثورة على نظام المجتمع، والرغبة فى الحماية من المجتمع الذى يشعر أنه ظلمه،)؟

ما يعنينى هنا هو سلوك الإرهابين القتلة. إذ غالبا ما أستمع إلى قول يتردد مفاده أن الإرهابين شباب مغرر بهم!؟

ويقول آخرون إن معظم من يذهبون إلى ما يسمى بالجهاد ينتمون إلى أسر مفككة تعاني فقرا فى مشاعر المودة والرحمة والتسامح مع ضحالة العلم مما يؤدي إلى فقدان الثقة واهتزاز وضعف الذاتية، فتنشأ تلك العقول جاهزة للتبعية وينتهي المطاف بها إلى أن تصبح أكواماً من العقول المُغيبة فى أحضان أئمة الإرهاب...!!

أزمة المغرر به... تتمثل فى تعطيل العقل وتسليمه لفرد أو جماعة انبهاراً وإعجابا بما يتوهمه ويتوسمه التابع في المتبوع من خير وصلاح وتقوى وصوﻻ إلى التقديس. قد يقول قائل، ولكن هناك من لديهم حظ من التعليم وربما من التعليم العالي أحيانا. إلا أن ذلك لا يغني من الأمر شيئاً ﻷن تلك العقول قد تم تدجينها من أيام الصبا عبر بيئة القهر الأسري والمدرسي بتعليمه التلقيني وعبر خطباء ووعاظ المنابر الدينية الذين أكملوا ما تبقى من عقل!؟

لا أستغرب عمق مشكلة المغرر به ولا عمق تبعية عقله واستلاب إرادته التي لا يمكن أن ينسلخ منها التابع بسهولة نظرا لقوة سبل التضليل التي مورست عليه وﻷنه ﻻ يعرف أنه مغرر به أصلا بل يظن أنه يحسن صنعا!؟ فكتب التراث مليئة بفتاوى تحرضه على القتل والذبح وهي خير معين له فى تبريره لأفعاله وقبوله بما يقوله له شيوخ الإرهاب.

تجدر الإشارة هنا إلى أهمية اﻻعتراف بأن جماعات الإسلام السياسي التي تدعي الوسطية تؤدي دور الحاضنة الثقافية اﻻجتماعية لأولئك الإرهابيين. فمفردات الخطاب واحدة وإن اختلفت شكلا. بل هناك تحالف مستتر يمكن التعبير عنه بـ"احنا المخ وانتم العضلات". تبين ذلك فى تحالف إخوان مصر مع إرهابيي سيناء وتحالف إخوان ليبيا مع إرهابيي أنصار الشريعة فى بنغازى.... إضافة إلى ذلك هناك أيضا حاضنة مجتمعية أخرى تتمثل فى البسطاء من الناس(وإن قلل البعض من حجمها) الذين يتوهمون ويظنون أن تلك القوى الإرهابية تحسن صنعا ﻷنها ترفع شعارات إسلامية كالجهاد وتدعي الذود عن الإسلام والمسلمين، بينما الحقيقة والواقع أنهم يدمرون أوطانهم دون أن يُمس الكيان الصهيوني، العدو اﻻكبر كما يسمونه، بسوء.

قرأت قصة شاب"مغرر به "من دولة عربية ظهر على إحدى قنوات التلفزيون... وبعد عودته من سوريا..قال أنه لم يجد ما كان يعتقد أنه سيحصل عليه من حياة تشبه حياة الرسول والصحابة!!، ولم يجد ما كان يتصوره من أن هناك جماعة تدافع عن قضية، بل وجد جماعات عديدة، ووجد خلافات وآراء متعددة، ووجد تغليباً للأهواء وذبحا وقتلاً غير مبرر، وشعر بفداحة الخطأ الذي ارتكبه؛ فقد كثر القتال من حوله بين فصائل متعددة، وبأسماء مختلفة، وجميعها تدعي أن هدفها هو الدفاع عن الدين وشرع الله ونصرة الحق، وجميعها تدعوه للانضمام لها وترك الآخرين!!، وكل قيادة من تلك القيادات لها أفكارها ورغباتها التي تختلف عن قيادات المجموعات الأخرى وﻻ شئ يجمعهم إﻻ التوحش والعنف اللامحدود..!!؟

وأخيرا، ونحن نتحدث عن هؤلاء المغرر بهم، تبقى ملاحظة يجب أﻻ نغفل عنها، مفادها: أن هناك جهات خارجية، تتمثل في أجهزة استخبارات ومنظمات دولية، لها دور كبير وداعم في ذهاب الشباب"المغرر بهم!" إلى مواطن الفتن، واستغلال حماسهم لتحقيق مآرب لا علاقة لها بالدين،لا من قريب أو بعيد،ولكني أردت أن أتحدث عن العوامل الداخلية بعيدا عن إلقاء اللوم على العالم الخارجي، الشماعة الجاهزة دوما لنعلق عليها ما بنا من علل ومساوئ.